Tuesday, November 06, 2007




خفة دم

عبد الفتاح القصرى واجهة بارزة فى عالم الكوميديا العربية .
- بداية مع ( بحبح ) وتألق مع ( جنجل ) ويبقى نجما لكل العصور





ياصفايح الزبدة السايحة .. يابراميل القشطة النايحة .
لايسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى تراق على جوانبه الدم .
وكلمتى ماتنزلش الارض ابدا .
طبعا كلما سمعنا تلك الافيهات تذكرنا على الفور صاحبها عبد الفتاح القصرى بطل العديد من الافلام التى تعرض على الفضائيات الفيلمية هذة الايام وهو يمثل واجهة بارزة في عالم الكوميديا السينمائية العربية . كان الغضنفر على صبيانه لكن دائما هو طيب القلب وشهم واذا تصرف أحيانا بغباء فانه يسبب الإرباك والإضحاك معا .. هو شديد البأس وشجاع ويتشبث برجولته لكن ليست مشكلة إذا تنازل مرة أو مرتين لإرضاء أم العيال على شرط ان يكون هذا هو التنازل الاخير كما حدث في فيلمه الشهير ( ابن حميدو ) الذى عرض مؤخرا على قناة ميلودى افلام .
عبد الفتاح القصرى من مواليد حي الجمالية بالقاهرة لأب كان يعمل في زخرفة الذهب , وتمتد جذور العائلة الى العصر الفاطمى استنادا الى ان لقب ( القصرى ) كان يطلق فى ذلك الوقت على كل من يعمل فى بلاط وقصور الحكام , وانتقل اسم المهنة الى لقب العائلة . تقول اغلب المصادر ان تاريخ ميلاد عبد الفتاح القصرى هو , 1906 , ورغم مولده فى بيئة شعبية بمنطقة الجمالية الا ان والده كان يطمح الى ان يصبح ابنه من كبار موظفي الدولة , ولذلك ألحقه بمدرسة الفرير الفرنسية , وكان عليه ان يزامل أبناء الطبقة الراقية والأجانب في الفترة الصباحية وأبناء المعلمين وأبناء الشوارع في الفترة المسائية . بعد سنوات قليلة أخرجه أبوه من المدرسة واقتنع بان يورثه أصول مهنة زخرفة الذهب وألحقه معه للعمل في صناعة المجوهرات .. ولم يكن الابن مشغولا بالدراسة ولا بالذهب وإنما كان مشغولا بالفن منذ إن شاهد عروض فرقة فوزي الجزايرلى . وفى عام 1917 انضم إلى فرقة عبد الرحمن رشدي المسرحية وبعدها الى فرقة جورج ابيض .لكنه لم يستمر طويلا حيث اثبت فشلا ذريعا في لعب الأدوار التراجيدية .
بعد ان ترك فرقة جورج ابيض تنقل القصرى بين عدة فرق أبرزها فرقة عزيز عيد ثم فرقة فاطمة رشدي وكان حلم عبد الفتاح في تلك الفترة هو الانضمام إلى فرقة الريحاني باعتبارها مدرسة الكوميديا الحقيقية , وبالفعل تحقق الحلم عام 1926 . وحقق القصرى نقلة نوعية مهمة بالتحاقه بفرقة الريحاني ويكفى أن الريحاني هو الذي دفعه إلى الاحتراف الكامل حين طلب منه ترك مهنة صناعة الذهب والتفرغ التام للفن . كما إن الريحاني هو الذي وضع يده على شخصية المعلم ابن البلد التي بدا ينميها من مسرحية إلى أخرى وانتقل بها إلى السينما بعد ذلك وحقق من خلالها أقصى درجات النجاح الجماهيري .

يدين عبد الفتاح القصرى بظهوره السينمائي الأول إلى المخرج شكري ماضي الذي اسند إليه عام 1935 دورا في فيلم ( المعلم بحبح ) أمام فوزي الجزايرلى واحسان الجزايرلى لينطلق بعدها على الشاشة الكبيرة . ويعتبر فيلم ( سى عمر ) الذي أخرجه نيازى مصطفى لنجيب الريحانى عام 1941 اول علامة مهمة في حياة القصرى السينمائية واللافت للأمر ان القصرى لم يقدم في هذا الفيلم دورا كوميديا خالصا وإنما قدم الشر ممزوجا بالكوميديا التي فرضها وجود الريحاني في معظم المشاهد التي ظهر فيها القصرى الذي جسد شخصية زعيم العصابة ( جنجل أبو شفتورة ), ومع توالى سنوات الأربعينات كان القصرى قد برهن لصناع السينما على قدراته الكوميدية الخاصة حتى إذا مابدا عقد الخمسينات اخذت ملامح الشخصية التى اشتهر بها في التبلور والوضوح لاسيما مع انتشاره في تلك السنوات , ويكفى انه فى عامي 50 و51 قدم 19 فيلما محققا رقما قياسيا بين ممثلي هذه الفترة , ولم يزاحمه سوى زميله إسماعيل ياسين .ومن أهم الأفلام التي قدمها القصرى خلال فترة الخمسينات ( معلش يازهر) من إخراج بركات و( قمر 14 ) , من اخراج نيازى مصطفى ) و( حماتي قنبلة ذرية ) , من إخراج حلمى رفله و( بيت الأشباح ) و ( الأستاذة فاطمة ) ( الآنسة حنفي ) و( ابن حميدو )من إخراج فطين عبد الوهاب
لم يكن القصرى كوميديانا متحذلقا يشعرنا بالصنعة والتكلف وإنما كان بسيطا للدرجة التي تجعلنا نشعر انه لايمثل . اعتمد القصرى على قدراته الخاصة وتميزه في استخدام أدواته التمثيلية مثل التلوين الصوتي وتعبيرات الوجه ونظرات العين إضافة إلى المشية الخاصة وحركة الجسد المترهله التي كانت لوحدها كفيلة بانتزاع الضحك . كثيرون اتهموا عبد الفتاح القصرى بالنمطية لأنه لم يسع إلى تطوير أدوارة أو لنقل دوره النمطي في شخصية ابن البلد لكن لم يكن مطلوبا من القصرى أكثر مما قدم ليحفر هذه الشخصية في عقول وقلوب كل الذين شاهدوه وأحبوه واعتبروا انه كان إذا كان قد احتكر شخصية ابن البلد فانه كان في كل مرة يجدد في هذه الشخصية ليضيف إليها موهبته وروحه . لقد صنع عبد الفتاح القصرى نجاحه بنفسه وكان ناجحا فى المسرح مع كشكش بيه وكان ناجحا في السينما مع المعلم بحبح وكل المعلمين الاخرين , وكان ناجحا إثناء صعود نخبة الطبقة المتوسطة فى الأربعينات وكان كذلك في الخمسينات مع تنامي دور العمال والفلاحين . يمكن القول انه كان قابلا للنجاح في اى ظرف تاريخى واجتماعي ومع اى فريق عمل صحيح ان ذلك كان بدرجات متفاوتة لكنه على اى حال لم يفشل مع احد .

في صيف عام 1962 فقد القصرى بصرة بسبب مرض السكر وبعدها بشهور أجبرته زوجته على الطلاق وتزوجت من صبى بقال كان القصرى يتبناه ويراعاه , واكتملت ماساته عندما أصيب بتصلب الشرايين وفقد جزءا من ذاكرته وتحولت نهايته الى مأساة كبيرة عندما مات فقيرا معدما لايجد ثمن الدواء والغذاء . ورغم مرور أكثر من أربعين عاما على رحيله سيبقى عبد الفتاح القصرى واحدا منم أهم نجوم الكوميديا فى فترة الأربعينات والخمسينات ونجما فوق العادة في العقد الأول من الألفية الثانية وبلا مبالغة سيبقى القصرى نجما كوميديا مميزا ومتفردا لكل العصور .

اعداد عماد النويرى



1 comment:

brastos said...

لفتة رائعة لفنان متميّز...