Wednesday, November 07, 2007




لمناسبة الذكرى ال 30 لرحيلة
تشارلى تشابلن: لغة بسيطة للتواصل مع جمهور متعدد الاتجاهات.

......إنه رجل ذو جوانب متعددة، فهو صعلوك ومهذب وشاعر وحالم ووحيد في الحياة، ولكنه يأمل في أن يحب ويغامر، وهو يستطيع أن يوهمك بأنه عالم، أو دوق أو لاعب بولو. ومع ذلك لا يمتنع عن التقاط أعقاب السجائر أو خطف الحلوى من الأطفال...


بلا تردد يمكن القول ان أفضل حركات إيمائية , و أعمق مشاعر , و أغنى روح شاعرية تتواجد في أعمال الممثل والمخرج وكاتب السيناريو والموسيقى والمنتج تشارلى تشابلن ( 1889- 1977 ). هو بلا مبالغة على راس قائمة أهم فناني السينما، و حتما من أفضل المؤدين على الشاشة، و ربما يظل إلى الآن العلامة الأبرز في تاريخها . يصف المؤرخ والناقد السينمائي ديفيد تومسون تشارلى تشابلن بأنه صاحب اشهر صورة في القرن العشرين . وغير ذلك فقد استخدم الفنانون والنقاد من عبارات الثناء والتبجيل في وصفه مالم يستخدم في وصف اى فنان اخر . برنارد شو قال بأنه العبقري الوحيد الذى نشأ في السينما و المخرج والممثل ماك سينت الذى عاصره أكد انه اعظم فنان في التاريخ ¸ ووصفه المخرج الإنجليزي الشهير ريتشارد اتينبورو بأنه اعظم رجل في تاريخ السينما .
عانى تشابلن في طفولته البائسة من الفقر، الجوع، القسوة و الوحدة و هي ما أصبحت مواضيع هامة في كوميدياه الصامتة والناطقة على حد سواء . و خلال مراهقته شهد وفاة والده من جراء ادمانه على الكحول كما شهد أيضا دخول امه إلى مصحة عقلية، عندها اضطر و أخيه سيدني إلى الدخول إلى عدة إصلاحيات للأحداث. وفي سن ال16 بدا بلعب شخصية بيلي في مسرحية ويليام جيليت "شيرلوك هولمز" (1905). كما أن عمل أخيه في مجال التلقين ساعده في الحصول على أدوار في مسرحيات فريد كارنو مثل شخصية الثمل في( ليلة في قاعة الموسيقى الإنجليزية ) و اسكتشات ( مهرج بالأبيض و الأسود. ) و من خلال جولة فرقة كارنو في الولايات المتحدة وقعت عين منتج الأفلام الأمريكي ماك سينيت على تشابلن ووقع معه عقدا لشركته كيستون. ، ولم يظهر شابلن في دور المتسكع الصعلوك إلا في العام 1915. ففي يوم ما طلب منه المخرج الأمريكي "ماك سينت" بعد إشراكه في أحد الأفلام، بأن يضع ماكياجًا مضحكًا، فلم يجد تشابلن إلا أن يرتدي بنطلونًا منفوخًا، سترة ضيقة، حذاءً ضخمًا، قبعة صغيرة، عصا وشارب قصير، ثم ارتجل مشية لهذه الشخصية. ولما أبدى المخرج إعجابه بالملابس و "إنه رجل ذو جوانب متعددة، فهو صعلوك ومهذب وشاعر وحالم ووحيد في الحياة، ولكنه يأمل في أن يحب ويغامر، وهو يستطيع أن يوهمك بأنه عالم، أو دوق أو لاعب بولو. ومع ذلك لا يمتنع عن التقاط أعقاب السجائر أو خطف الحلوى من الأطفال...." بقي تشابلن يتحدث لمدة عشر دقائق عن الشخصية التي ابتكرها وسينت المخرج يضحك. ولما دخل تشابلن الأستوديو، تعثر بقدم أحد العمال فوقع أرضًا، ثم وقف لكنّه تعثر مرة أخرى بقطعة من الأثاث ووقع على الأرض، فقام ورفع قبعته لقطعة الأثاث وكأنه يحييها، فضحك جميع من في الأستديو، وهكذا خرجت للنور شخصية المتسكع الصعلوك.ومع ميلاد الشخصية استوحى تشابلن أسلوبه من تقاليد الايماء الفرنسية , و أساليب الأداء في المسرح الانجليزى , و هو ما تم اعتماده في نتاجات ماك سينيت الذي كان يدير شركته باقتدار منتجا فيلمين أسبوعيا
في فيلمه الأول لسيننيت ( التكسب) (1914) ، لعب تشابلن دور المتشرد على طريقة ماكس برت . لكن في فيلم "( سباق السيارات للأطفال في فينسيا ) ظهر في ملابسه التى اشتهر بها , وأظهر هذا الفيلم مهارة تشابلن في التواصل مع الجمهور.. و بعرض فيلمه الثالث عشر "( عالق تحت المطر ) ” بدأ تشابلن إخراج أفلامه بنفسه ويذكر انه فى هذا العام قدم 35 فيلما ، و بدأت ظهور الاختلافات بينه و سينيت لاختلاف الاساليب، حيث أصبح تشابلن أقرب للكاميرا بأكثر مما سمح له. تشابلن قدم إلى عالم شركة كيستون كوميديا عاطفية جديدة و قدرة على نقل الافكار والمشاعر بطريقة أكثر اتساقا . و في سنة واحدة أحدث تشابلن ثورة في عالم أفلام الكوميديا، و حولها من الكوميديا الهزلية إلى فن بإضافة ملامح للشخصية، بالاضافة إلى الايماء. أما كمخرج فقد تمرد على أسلوب المخرج المعروف غريفيث في مونتاج

الافلام. فقدم على حد قول أندريه بازان "كوميديا المساحة” حيث أصبحت شخصية الصعلوك تتفاعل مع كل ما تراه على الشاشة مع اعادة بناءها من خلال حضوره. كما أن الاسلوب الذي أدى فيه تشابلن أدواره أحدث تغيرا مهما مهد فيه الطريق لظهور باستر كيتون، هارولد لويد، هاري لاندغون و ستان لوريل. هذا الاسلوب كان يجعل الاحداث تتولد من خلال تفاعل الشخصية مع محيطها. و واصبح هناك تركيز على الشخصية و المواقف التي تنتج من تصرفاتها. .واستطاع شابلن أن يصبح في أقل من سنتين الممثل الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، ولم يكن يُكتب قبل ظهوره اسم الممثل على لافتات السينما، فكان شابلن هو أول ممثل تعلن الشركات ودور العرض عن اسمه؛ "شابلن هنا..." وبذلك يكون نظام النجومية قد بدأ العمل به مع ظهور هذا الممثل العبقرى .
و لكن تحول تشابلن من النجومية إلى أن يكون أسطورة لم يأت عن طريق شركات الإنتاج أو وسائل الأعلام , و لكن عن طريق العامة الذين كانوا يتابعون أفلامه. و في عام 1915 أصبح تشابلن أيقونة مميزة فظهرت باسمه قصائد و رسومات كارتونية و كاركتيرات في الصحف اليومية. كما ظهرت دمى على هيئة تشابلن و كتبت عنه بعض الكتب و ظهرت العديد من الألعاب المتعلقة بشخصية الصعلوك.
كانت المدة بين عامي 1915 إلى 1925 هى الفترة التي شهدت استقلال تشابلن كصانع أفلام خصوصا بعد ظهور نظام الأستوديو الجديد. و بين ارتفاع أجره عن شعبيته الكبيرة و حريته الفنية. فبعد تركه شركة سينيت وقع عقدا مع شركة إيسساني تدفع عن طريقه الشركة 1250 دولار أسبوعيا , و بحلول عام 1918 أدت شهرة تشابلن إلى توقيعه عقدا مع شركة فيرست ناشيونال بقيمة مليون دولار. كما وافقت الشركة ببناء استوديو خاص به.
و في ايسساني بدأ تشابلن بجمع فريق عمله و أصبح ظهور إيدنا بورفيانس كممثلة رئيسية في أعماله من العلامات المميزة التى تدعو الى الاحترام . وفي أفلام (المصرف) 1915 و ( الصعلوك) , 1915 قدم تشابلن عنصرا جديدا لأفلامه النهاية الغير سعيدة. فلأول مرة ينتهي أحد أفلامه بخروج الصعلوك وحيدا يتبختر حاملا عصاه متجها نحو طريق مهجور.
و تعتبر الأفلام ال12 التي جاءت بين العامين 1916 و 1917 أفضل إنجاز أته. و منها ( الواحدة صباحا ) (1916) ، ( محل الرهونات ) (1916) ، ( خلف الشاشه ) (1916) ، ( ساحة التزحلق ) (1916) ، ( الشارع السهل ) (1917) ، و ( العلاج ) (1917) ، ( المهاجر ) (1917) و ( والمغامر ) (1917) كلها أظهرت أستاذا أثناء أداءه لعمله ممسكا بجميع خيوط الكوميديا.

وفي أفلام لشركة فيرست ناشيونال مثل : ( حياة كلبة ) 1918 و( كتفا سلاح ) 1918 و ( الحاج 1923 ) اخذ تشابلن أولى خطواته نحو الفيلم الكوميدي الروائي الطويل. واثبت فيلم ( الصبى ) 1921 الذي تحول إلى فيلم طويل بعد أن كان مقررا أن يعرض كثلاثة أجزاء أن باستطاعة تشابلن الحفاظ على طابعه الفكاهي لمدة طويلة. و في عام 1919 قام تشابلن (إلى جانب النجوم دوغلاس فيربانكس و ماري بيكفورد و المخرج د.و. غريفيث ) بإنشاء "يونايتد آرتيستس : اتحاد الفنانين" كوسيلة لنشر أفلامهم من دون تدخل الاستوديوهات الكبيرة. و كان اول إنتاج لتشابلن عن طريق ( يونايتيد آرتسيتس ) هو انتاج فيلم ( امراءة في باريس) 1923 و هو كوميديا على غير نمطية تشابلن السابقة. و كان الفيلم من بطولة المدللة إدنا بورفيانس. و ظهر تشابلن في الفيلم بلقطة سريعة فقط. و كان هذا الفيلم أول خسارة انتاجية لتشابلن و في فيلم "حمى الذهب ”1925 وجد تشابلن صدى طيبا لدى الجمهور و حاز على إعجابهم. و لكن في هذه الاثناء كان تشابلن يعيد اكتشاف فنه من جديد , و يسلط الأضواء على تفاصيل دقيقة في شخصيته الكوميدية. في فيلم " السيرك”1928 يبحث تشابلن عن طبيعة العلاقة بين الكوميديا و تلقي الجمهور لها. وفي فيلم ( أضواء المدينة) 1931 شهد الجمهور قمة أداء تشابلن في أداء شخصية الصعلوك، أضف إلى ذلك الخط الرفيع بين الكوميديا و التراجيديا في هذا الفيلم. أما في فيلم ( العصور الحديثة ) , 1936 فقد ودع تشابلن شخصية الصعلوك تاركا المجتمع في انهيار , و يرحل باتجاه شروق الشمس ممسكا بيد الفتاة المتسولة .
ويلاحظ أن ملامح أفلام تشابلن قد تغيرت خلال هذه الفترة، نظرا لسلسلة من المشاكل العاطفية التي مر بها. و قام بحصر جميع أعماله داخل الأستوديو. كما ارتبطت عاطفته أكثر بالسخرية و فقدان الأمل. حيث قال في أحد المرات أن الصعلوك الكبير في العمر ليس مضحكا أبدا.
ومع فيلم "مسيو فيردو" 1947 انقلب جمهوره الذي يحبه عليه. و في عام 1952 وجد تشابلن الذي لم يحصل على الجنسية الأمريكية نفسه ممنوعا من دخول الولايات المتحدة. و كانت ردة فعل الجمهور عنيفة جدا حتى أن فيلم "ملك في نيو يورك” 1957 و هو فيلم ساخر من العادات الاستهلاكية الأمريكية ظل ممنوعا من العرض حتى عام 1976 .
عن تشابلن ورحلته الفنية وعن شخصيته السينمائية الفذة كتب اكثر من الف كتاب ومقال ترجمت الى اكثر من 40 لغة ويقدر عدد مشاهدي كل فيلم من الأفلام التى قدمها بين العامين 1918 و1936 وهى من أفلامه الصامتة الطويلة بأكثر من 300 مليون شخص يضاف الى ذلك آلاف الملايين من الناس الذين شاهدوا أفلامه الأخرى قبل وبعد تلك الفترة .
لقد اقترنت شخصية المتشرد السينمائية بشخصية تشارلى تشابلن في أذهان وخيال أجيال عديدة من رواد السينما في جميع أنحاء العالم واستحوذ شارلو على حب الناس بتقيم أعمال سينمائية رفيعة في مستواها الفني وذات مضمون اجتماعى وانسانى حرك مشاعر ووجدان الناس . لقد أسهمت أفلام تشارلى تشابلن بفصل رئيسى وبالغ الأهمية
في تاريخ السينما الأميركية , ولعبت هذه الأفلام دورا في التطور الفنى للفيلم الأميركي
وتمثل روائعه السينمائية مثل ( البحث عن الذهب ) و( العصور الحديثة ) و ( أضواء المدينة ) وغيرها علامات مضيئة في قائمة كلاسيكيات السينما العالمية . وكان للأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم السينما ان تمنحه جائزة أوسكار فخرية عام 1972 تقديرا ل ( الدور الذى يفوق الوصف الذى لعبه في تحويل صنع الأفلام السينمائية الى النمط الفنى المميز للقرن العشرين
) .

No comments: