ابن حميدو .. وأيام في ابوظبى
إلى حداد ورضا وسرمينى والمسناوى
شاهدت فيلم ( ابن حميدو ) أكثر من خمس مرات , وفى المرة السادسة اكتشفت اننى أشاهدة للمرة الأولى . انسجم ايقاعى الداخلي المرة الأخيرة مع إيقاع الفيلم وعرفت أنها لحظة اللقاء التى تأتى فجأة لتجسد الحلقة الضائعة والضالة بينك وبين الشىْ المفقود . فجأة وبلا مقدمات تشعر انك في لقاء حميم مع لحظة , مع ذكرى , مع شخص ما لم تقابله , رغم انك تقابله منذ شروق الشمس وحتى غروبها. هكذا حدث مع فيلم ( العذاب فوق شفاه تبتسم ) و ( حسن ونعيمة ) و( هارب من الأيام ) و( اللقاء الثاني ) و( ذهب مع الريح ) و( الأب الروحي ) و( ليلة ساخنة ) وغيرها الكثير من الأفلام والاغانى والمقطوعات الموسيقية . ومنذ فترة طويلة اعرف ان جمال الحياة ياتى من التناغم بين الإيقاعات المختلفة , ويعنى ذلك انك من المهم ان تبث على الموجة التي يبث منها الأخر . وان الأخر هذا يسكنك وتتوحد نبضات قلبه مع نبضاتك ويلتحف جفونك عندما تغمض عينيك .
كل هذه المقدمة لاعترف اننى أحيانا اشعر ايقاعى الداخلي ليس متوحدا في كل الأوقات مع إيقاع الحياة الخارجي . ,وازعم ان احساسى ومشاعري لم تتبلد بفعل الإحداث الجسام التي يشيب لها الولدان في كل بقاع المعمورة فادى ذلك إلى تبلد ايقاعاتى .لكن انا من المؤمنين انك لكى تتوحد مع ماتحب عليك الانتظار حتى تأتيك لحظة اللقاء الحقيقي , اوحتى تذهب اليها وأنت بكامل لياقتك المشاعرية والشعرية . عليك أحيانا ان تبعد حتى تقترب .
نعم مقدمة صالحة لحديث حبيب يلتقي حبيبته بعد غياب لكنها في واقع الأمر مقدمة بعيدة تماما عن هذا الهدف النبيل.في تلك الأيام ( الفوشية ) التى تمر بها امتنا وهى أيام بعيدة تماما عن ( النبالة ) . وإنما هي كتبت كي أمهد للحديث عن تلك الأيام التى قضيتها خلال شهر مارس الماضي في ابوظبى لحضور مسابقة أفلام من الإمارات بدعوة من المشرف على المسابقة الزميل العزيز مسعود امراللة , واعترف ان تلك الدعوة كانت قد جاءت في وقتها تماما فقد كنت في أجازة إجبارية أعطيتها لنفسي بعد ان كان من الصعب تحمل الهجوم الهاتفي من كل انحاء الكويت للاستفسار عن حادثة التحرش بجمانة مراد أثناء وجودها في نادى الكويت للسينما من قبل احد أعضاء مجلس الادارة اثناء الاحتفال بالعيد الوطني وكان نصف هذه المكالمات يستفسر عن اى جزء من جسد جمانة تم التحرش به !! ولم تنتهى الأقاويل والشائعات الا عندما صرحت جمانة لوكالة الأنباء الألمانية بان حادثة التحرش لا أساس لها من الصحة وان الموضوع قد تمت أثارته بطريقة مبالغ فيها وان ماحدث كان مجرد اقتراب احد أعضاء مجلس الادارة منها وهو فاقد لتوازنه ليطلب منها التصوير , ونتيجة لخوفها ان تتطور الأمور قامت بالانسحاب من النادي . حادثة التحرش المزعومة بجمانة وضعت نادي الكويت للسينما تحت دائرة الإعلام العربي لمدة أسبوع وكنت اعرف بيني وبين نفسي ان خبر انزلاق فيفي عبده في الحمام أهم ألف مرة من خبر استقالة بوش أو من خبر خروج عملية السلام من غرفة الإنعاش بعد ان ماتت وانتعشت من قبل ملايين المرات .
في ابوظبى كان اللقاء مع مدينة تنهض بسرعة وذات إيقاع مختلف . كان اللقاء مع حسن حداد ومحمد رضا وصلاح سرمينى ومصطفى المسناوى . وكان اللقاء مع مجموعة كبيرة من الأفلام , ومجموعة كبيرة من السينمائيين الخليجيين الشبان الذين يرغبون بحق في صنع أفلام تخصهم وتتحدث عن حياتهم التي تتجاذبها التناقضات , ورغم كل الصعاب مازالوا يحلمون باعتبار ان الأحلام والأفلام ( لسه ممكنة ) .
كان من السهل وبسرعة التعرف على الزميل الناقد العصامي حسن حداد فقد قابلته مرة عندما شاركت في مهرجان البحرين السينمائي الأول عام 2000, لكن نظرا لانشغاله وانشغالي انذاك , لم نستطع الحديث بمكا يكفى لكي نتعرف على بعضنا البعض , ومضت الأيام الى ان فوجئت بموقعه السينمائي الشهير سينماتيك وبدأت زيارتي له بمعدل مرة على الأقل كل أسبوع لأطمئن ان مقالي الاسبوعى في القبس قد وجد فرصته في النشر من خلال الموقع , ومن ناحية أخرى لكي أقوم بجولة لاتعرف ماذا كتب بقية المهتمين بالسينما على صفحات الجرائد العربية . وفى ابوظبى ومع حالة الهدوء التى عشناها بعيدا عن صخب المهرجانات الكبيرة كانت هناك فرصة للتعرف على الأشخاص بشكل أفضل , وكانت فرصة للتعرف على حسن حداد الإنسان الذي بنى تاريخه السينمائي بصبر واجتهاد حتى أصبح موقعه واحدا من أهم المرجعيات السينمائية بالنسبة لنا وبعدها تعرفت عليه ايضا كناقد سينمائى مميز من خلال قراتى للكتب التى اصدرها خاصة كتابه عن محمد خان . ومع حسن حداد جمعتنا موائد الإفطار و الغذاء والعشاء مع الناقد والباحث السينمائي الجاد صلاح سرمينى والذي تعرفت عليه أول مرة عام 1996 في مهرجان قرطاج ثم فى باريس وبعدها فى دبى . وتعرفت عليه فى مابعد اكثر من خلال جهوده البارزة والكبيرة فى مسابقة أفلام من الإمارات سواء عن طريق استحضار الأفلام من مهرجانات مهمة أو عن طريق إصدار الكتب المصاحبة للمسابقة كل عام .هذا غير جهودة المتواصلة فى نشر الوعى السينمائى من خلال مداخلاته فى المدرسة العربية للسينما والتلفزيون وفى بقية المواقع السينمائية على الشبكة العنكبوتية . وكانت الأيام مناسبة تماما لاكتشاف جوانب عديدة من شخصية زميلنا محمد رضا الزميل القديم الذي صاحبته لفترة طويلة على صفحات جريدة القبس , وقبلها كنت تعرفت عليه أول مرة عندما جاء إلى الكويت عام 1995 للمشاركة في ندوة السينما العربية , والتي أقامها نادي الكويت للسينما لمناسبة مئوية السينما وقبلها كانت لنا بعض اللقاءات المتفرقة في مهرجان القاهرة السينمائي . وكنت احرص دائما على قراءة صفحته فقد كانت عندي قناعة ومازالت وهى ان محمد رضا هو أكثرنا حبا للسينما , وانه وهبها حياته , وان مايجرى في دمائه ليس دما وإنما صور ومشاهد وأفلام وحكايات ملونة , وان قلبه عبارة عن بكرة سينما تنبض لتدفع بالصور المتحركة في كل شرايينه لتغذى عقلة السينمائى الذى لاينام . وغير كتابه السنوي الموسوعي كنت دائما اقدر لرضا تضحيا ته المهمة في التنقل بين بقاع الدنيا المختلفة لكي يكون قريبا دائما من حركة السينما في العالم . وفى ابوظبى كانت هناك ايضا فرصة صغيرة للتعرف على الناقد والباحث وأستاذ الجامعة مصطفى المسناوى ذلك الهادىْ المتواضع الذى كان متفرغا تماما لمتابعة الافلام فقد كان مكلفا لكتابة الورقة النقدية الخاصة با فلام المسابقة .
فى ابوظبى قضيت اياما اعتز بها , واكتب عنها الان بعد خمسة شهور بعدان جاءتنى لحظة اللقاء . كنت فى حاجة لمشاهدة ( ابن حميدو ) في لحظة صفاء.