Friday, September 07, 2007



خفة دم



مارى منيب .. والدنيا لما تضحك



هى مارى سليم حبيب نصر , وفى رواية أخرى مارى حبيب سليم نصر , وفى رواية ثالثة هي مارى نصر اللة فرج , لكن المعروف والثابت هو ( مارى منيب ) اشهر من جسد وقدم دور الحماة في السينما العربية . وكما اختلفت الروايات الخاصة باسمها اختلفت أيضا الروايات الخاصة بتاريخ ومكان الميلاد . ولا يعرف أحد على وجه اليقين الأصول العرقية لمارى منيب إن كانت سورية آم لبنانية آم مصرية لكن ماهو مؤكد هو آن والدة مارى واسمها أسماء اضطرت لاصطحاب ابنتيها الكبرى أليس والصغرى مارى والسفر من الشام آلي مصر سعيا وراء الأب الخواجة سليم كما كان يناديه آهل دمشق , ولم يكتمل شمل الآسرة لوفاة الأب , واضطرت الآسرة البقاء في القاهرة . عانت الام كثيرا في تدبير أمور حياتها , واستطاعت إلحاق الطفلتين بمدرسة بحي الفجالة في القاهرة لكن مارى الصغيرة أظهرت نفورا كبيرا من التعليم جعلها دائما تتعرض آلي العقاب , وكان هذا العقاب عبارة عن قناع لوجة خروف تلبسه الطفلة المعاقبة كدليل امام كل زميلاتها على تخلفها الدراسى . ولم يكن امام راهبة المدرسة سوى استدعاء ولى امر الطالبة مارى لتخبرها بان ابنتها لديها مخ من الخشب , وان اى قرش تصرفه على تعليمهاحرام ولاداعى لتحمله . طبعا آلام سمعت بالنصيحة أخرجت مارى من المدرسة واعتمدت عليها في أعمال البيت لتساعدها في مهنة الحياكة . فى الشارع وفى حى الفجالة الشعبى اثناء تقضيه وقت فراغها استطاعت مارى استغلال ( مخها الخشب ) فى جمع عشرات الكلمات والجمل والاجتفاظ بها لتصبح بعد ذلك مفردات قاموسها اللغوى على خشبة المسرح او على شاشة السينما .

بدأت مارى منيب مشوارها الفنى فى كورس فرقة الشيخ سلامة حجازى , والتحقت بعد ذلك بفرقة على الكسار وكانت مسرحيتها الأولى ( القضية نمرة 14 ) عام 1919 , وبعد ستة شهور انتقلت للعمل في فرقة آمين عطاللة ومع آمين عطا الله لعبت أول دور مهم لها حيث آدت دور خادمة تسبب المشاكل وتسب الجميع وتظهر طوال الدور كفتاة سليطة اللسان , أظهرت مارى في هذا الدور نجاحا كبيرا واصبح في ما بعد ملمحا من ملامح شخصيتها الفنية , وفى فرقة امين عطاللة تعرفت على الممثل والمنولوجست فوزى منيب وتزوجته لمدة ست واخذت عنه اسم منيب وبعد الانفصال تزوجت من زوج شقيقتها عبد السلام فهمى لتساعده فى تربية ابناء شقيقتها بعد وفاتها . وكانت اهم نقلة فنية فى حياتها عندما انتقلت الى فرقة نجيب الريحانى عام 1934 ولعبت اول أدوارها في هذه الفرقة في مسرحية ( الدنيا لما تضحك ) ثم توالت أدوارها في ( الشايب لما يدلع ) و ( قسمتى )
وكان انضمام مارى منيب الى فرقة الريحان نقلة حقيقية ومهمة على كل الاصعدة ليس فقط لانها وجدت نفسها اخيرا فى اللون الكوميدى ولا بسبب انها تعرفت على شخصية المراة الشعبية خفيفة الدم سليطة اللسان التى تطورت سريعا الى شخصية الحماة , وانما وهو الأهم آن الأنظار انتبهت اليها بحكم شعبية الريحانى آلي وجود هذه الطاقة الفنية المسماة مارى منيب . ولم تمض اشهر قليلة والا وكانت مارى تشارك فى اول فيلم سينمائى هو ابن الشعب الذى عرض بسينما تريمف عام 1934.

يمكن اعتبار عام 1934 اذن هو بدايةمارى منيب فى السينما حيث لعبت دورا صغيرا فى ( ابن الشعب ) من بطولة بشارة واكيم وميمى شكيب وسراج منير وحسن البارودى ومن اخراج ايلى ابتكمان . بعدها قدمت عدة ادوار لفتت اليها أنظار المنتجين في ( الغندورة ) و( أنشودة الراديو ) و( بسلامته عاز يتجوز ) و( نشيد الأمل ) و( الحب المورستانى ) . على الرغم من النجاح أتهادى الذي يمكن آن توصف به البداية السينمائية لمارى منيب على عكس بدايتها المسرحية القوية مع فرقة الريحان فان هذا النجاح كان كفيلا بانتقالها سريعا آلي أدوار البطولة على يد المصور والمخرج تولي كابارينى الذى اختارها للعب بطولة فيلم ( مراتى نمرة 2 ) عام 1937 وفى الفيلم لعبت دور زوجة حلاق شعبى لكن اول صورة مكتملة لمارى منيب كانت تلك التى قدمها المخرج كمال سليم فى فيلمه الشهير ( العزيمة ) عام 1939 فى هذا الفيلم ظهرت مارى منيب وهى فى الرابعة والثلاثين من عمرها فى دور ام بطلة الفيلم فاطمة رشدى والحماة المنتظرة لبطل الفيلم حسين صدقى وجسدت مارى دور الحماة الشريرة المستعدة لبيع ابنتها من اجل المال , أعادت مارى منيب تقديم هذه الشخصية بتنويعة مختلفة في فيلم ( الاسطى حسن ) عام 1952 من إخراج صلاح آبو سيف وبخلا ف هذين النموذجين فان الحماة مارى منيب لم تكن تنطلق في علاقتها بزوج ابنها آو زوجة ابنتها من دوافع شريرة بقدر ما يمكن اعتباره غيرة وخوف على مصالح اولادها ومن هنا يأتي تدخلها في حياة الزوجين فتحدث المنغصات آلتي تتولد عنها الكوميديا وحتى في دورها الشهير في ( لعبة الست ) من إخراج ولى الدين سامح عام 1946 والذي قدمته مرة أخرى في فيلم ( العائلة الكريمة ) لفطين عبد الوهاب عام 1964 , رغم أنها سعت لتطليق ابنتها كي تزوجها بآخر اكثر ثراء فأنها لم تكن منحرفة آو شريرة بقدر اقتناعها بان ابنتها تستحق رجلا يضمن لها الحياة أشكل افضل . وعلى هذا الدور لعبت مارى منيب اكثر من تنويعة ابرزها دورها فى فيلم ( حماتى قنبلة ذرية ) لحلمى رفلة عام 1951 و( حكاية جواز ) لحسن الصيفى سنة 1964 .

مايلفت الانتباة فى سينما مارى منيب امران مهمان الاول يتعلق بقدرتها الخاصة على تحويل الادوار الصغيرة الى كبيرة تتوازى مع قيمة ادوار البطولة ويجعل ذلك المشاهد فى حالة تذكر للدور الذى قامت به مارى مهما كان محدودا بنفس درجة تذكرك لشخصية البطل أو البطلة . نذكر هنا دوره الصغير في فيلم ( انتصار الشباب ) عام 1941 فرغم صغر دورها فقد استطاعت آن تجعل منه دورا مليئا بالحيوية وكان لسان حالها يقول ليس هناك أدوار صغيرة آو أدوار صغيرة إنما هناك ممثل صغير وممثل كبير . والآمر الثاني هو نجاحها في الوصول بالمشاهد آلي أتعلى درجات القبول للشخصية آلتي تؤديها مهما كانت طبيعتها الاستفزازية وسلوكها الغير مقبول ويعود ذلك آلي حضورها القوى على الشاشة ومكانتها الخاصة في الأداء الكوميدي بداية من التعبير الحركي والاستخدام الأمثل لجسمها المملى وإضافة آلي مجموعة من الملزمات ( ألا فيهات ) الخاصة بها وآلتي أصبحت جزءا من شخصيتها الفنية المميزة وإضافة آلي كل ذلك قدرة على التلوين الصوتي اكتسبتها من خبرتها الطويلة في العمل المسرحي .
ورغم انها بدت سليطة اللسان فى الكثير من الأفلام الا أنها انقلبت امرأة وديعة تماما وهى تؤدى أدوار آلام في فيلم ( بابا آمين ) عام 1950 من إخراج يوسف شاهين وفى فيلم ( رسالة من امرأة مجهولة ) عام 1962 . ورغبة في تنويع أدوارها قدمت دور المرآة العانس مرتين في فيلمي الريحان ( آسى عمر ) 1941 لنازي مصطفى و ( آبو حلموس ) عام 1946 , من إخراج ابراهيم حلمى وقدمت دور السيدة التركية مرتين الاولى كانت مع مع المخرج كمال سليم فى ( شهداء الغرام ) عام 1946 والثانية فى فيلم ( المراهقان ) للمخرج سيف الدين شوكت .
وتبقى في مشوار مارى منيب الإشارة آلي تجربتها الخاصة مع أدوار البطولة وفى هذا الإطار يمكن رصد سبعة أفلام على الأقل تنسب فيها البطولة آلي مارى منيب بعد فيلميها الأولين ( الحب المورستانى ) و( مراتى نمرة 2 ) وهذه الأفلام السبعة هي على الترتيب : ( حماتى قنبلة ذرية ) لحلمى رفلة 1951 و( كدبة ابريل ) لمحمد عبد الجواد 1954 و( الكيلو 99 ) لابراهيم حلمى 1956و ( ام رتيبة ) للسيد بدير 1959وحماتى ملاك لعيسى كرامة 1959 و( شهر عسل بصل ) لعيسى كرامة ايضا عام 1960 ومن واقع استعراض هذة الأفلام السبعة يمكن ملاحظة آن مارى منيب هي الممثلة الكوميدية الوحيدة آلتي كانت تكتب لها الأفلام آلتي تقوم ببطولتها على وجة الخصوص ولنجاحها الكبير فى لعب دور الحماة وتعلق الجمهو ر بالنمط الخاص الذى تقدمه فقد تشجع كتاب الدراما على الكتابة لها خصيصا . ورغم تميزها فى دور الحماة فان البطولات جاءت اليها ايضا من خلال انماط اخرى بعيدة عن الشخصية وهذا التنوع فى ادوار مارى منيب رغم قلته يشير الى ان صناع السينما الذين منحوا مارى منيب البطولة لايعودفقط الى قدرتها التمثيلية فى انتزاع الضحكات ايا كانت الشخصية التى تؤديها . واذا كانت مارى قد نجحت فنيا وتجاريا في أدوار البطولة آلتي آتتها في سن متأخرة من عمرها فان المشاهد البسيط لا يفرق بين بطولاتها بل آن جانبا كبيرا من شعبيتها تحقق لها من خلال هذا التراكم الدائم لادوارها المختلفة .
كانت مارى منيب اول امراة تكسر نجومية الرجل فى عالم الكوميديا وخلال رحلتها الفنية كانت قادرة دائما على اكساب ادوارها قيمة خاصة فى ذاتها مهما كان حجم الدور . لهذا حظيت بكل هذة الجماهيرية فى حياتها وحافظت على هذة الجماهيرية بعد رحيلها .


اعداد عماد النويرى

No comments: