Wednesday, December 05, 2007




لمناسبة تكريمه فى مهرجان القاهرة

ملامح البطل فى سينما نور الشريف



فى عام 1967 كانت الانطلاقة السينمائية الأولى لنور الشريف من خلال فيلم ( قصر الشوق ) الذى جسد فيه دور كمال الابن الأكبر للسيد احمد عبد الجواد الشخصية المحورية في ثلاثية نجيب محفوظ ولم تنقطع علاقة نور الشريف بعالم محفوظ عند هذا الحد فبعد ان ظل يلعب دور الدنجوان لعدة سنوات بعد ( قصر الشوق ) نجح فى ان يثبت موهبته الفنية من خلال فيلم ( السراب ) عام 1970 وخلال سنوات السبعينات الأولى رسخ نور الشريف نفسه كاسم صاعد فى عالم فتيان الشاشة جنبا الى جنب أسماء اخرى مثل محمود ياسين وحسين فهمى وقدم خلال فترة السبعينات أفلاما مهمة مثل ( زوجتى والكلب ) 1971 و( الخوف) عام 1972 وهو نفس العام الذى قدم فيه شخصية كمال عبد الجواد مرة اخرى من خلال فيلم ( السكرية ) .
فى ( السراب ) لعب نور الشريف أول بطولة مطلقة حيث جسد شخصية كامل البطل الشاب الذى دللته امه كثيرا واستطاعت الام من شدة حبها وتدليلها ان تحوله – دون قصد – الى انسان بلا ارادة غير قاد ر على التصرف . وتصدم الزوجة فى ليلة زفافها فى رجوله كامل , ولكنها تكتشف بعد مضى الوقت انها ليست سوى حالة نفسية سببها الظروف غير الطبيعية التى مرت به . لكنه شيئا فشيئا يسترد ثقته فى نفسه وفى رجولته التى ظن انها ولت ولن تعود . فى الفيلم جسد نور الشريف الدور من خلال اداء صادق , ونجح باستخدام ادواته الداخلية والخارجية فى اظهار الانفعالات الصعبة , والأبعاد النفسية العميقة , والتقط نور الدور المميز بحسه الفنى وجاء الدور كنوع من التحدى , وكنوع من تنويع الأدوار , إضافة الى تقديم مشكلة شريحة موجودة فى المجتمع .
كان عام 1975 هو واحد من اغزر اعوام نورالشريف على الإطلاق وذلك من خلال قيامه ببطولة 12 فيلما من أهمها فيلم ( الكرنك ) من اخراج على بدر خان ومن بطولة نور الشريف وسعاد حسني وكمال الشناوي وفريد شوقي، والفيلم يمثل انتقادا حادا لثورة يوليو التي قبل ان تنهزم في عام 67، هزمت مثقفيها وكتابهاِ . الفيلم الذي ظهر منذ ما يقرب من 30 عاما اثار ضجة كبيرة آنذاك، وقد تناولت تلك الضجة النقد الصارخ الذي وجهه الكاتب نجيب محفوظ من خلال 'الكرنك' لثورة يوليو، وهو ما كان يجرؤ على فعل ذلك أثناء الثورةِ وكان ضمن ما أثير تلك الأيام عدد اللقطات التي منعتها الرقابة عن تخريب طلبة الجامعات وعلى رأسهم اسماعيل بطل الفيلمِ هذا عدا اللقطات التي تم حذفهالاغتصاب بطلة الفيلم سعاد حسنيِطبعا هناك أكثر من مدخل للاقتراب من 'الكرنك'، وإذا دخلنا من باب السياسة فسنجد ان الفيلم كان يمثل في حينه انقلابا على عبدالناصر وفترة حكمه، وكان له ان يمثل أيامها أكبر هجوم على انجازات ثورة 52،وما حققته من مكاسب وما ارتكبته من أخطاءِعموما من هاجموا الفيلم من الناصريين اعتبروا ان كل الثورات في بدايتها لجأت إلى الشرعية الثورية بدلا من الشرعية الدستورية، والشرعية الثورية لا تعرف القانون، وأي تجاوزات ترتكبها الثورات الوليدة تكون مبررة طالما ان الهدف الأساسي هو مصلحة الشعبِ . ورأى الناصريون ان 'الكرنك' بالغ كثيرا في مشاهد التعذيب وأظهر كل انجازات الثورة وهي متشحة بالسوادِ. الذين صفقوا للفيلم من منتقدي الثورة ومن 'الساداتيين' قالوا ان ما قدم في 'الكرنك' يعتبر وثيقة مهمة تدين بشكل قاطع تلك الجرائم التي ارتكبت أثناء الثورة، وأكدوا ان أي هزيمة عسكرية دائما ما تسبقها هزيمة المثقفين، وان ثورة يوليو أكلت أبناءها قبل ان يأكلها الأعداء والمتربصونِ . وأضاف الذين صفقوا للفيلم ان ما جاء في 'الكرنك' هو صورة مبسطة ولا تحتوي إلا على القليل مما كان يحدث بالفعل أثناء الثورةِ . الذين هاجموا الفيلم والذين صفقوا له دخلوا في سجال، كلما انتهى بدأ من جديد،وشحذ كل فريق أسلحته وتبريراته وحججه وبراهينه، وكان الفائز أيامها هو المشاهد الذي تعرف ربما للمرة الأولى على بعض ما كان يحدث أيام ثورته المجيدةِالمدخل الفني ل 'الكرنك' اعتنى بحديث النقاد عن العناصر الفنية للفيلم، وكانت هناك اشادة كبيرة بتمثيل سعاد حسني التي أبدعت في تجسيد دورها،وايضا اشادة باداء نور الشريف الذى جسد ببراعة الطالب المقهور المصدوم فى قناعاته على يد زبانية الثورة . وكانت هناك أيضا اشارات ايجابية لفريد شوقي وكمال الشناوي، كما تناولت الكتابات ملاءمة الديكور والإضاءة للتعبير عن أجواء الفيلم المكانية والزمانيةِ
وفى عام 1980 قدم نور الشريف فيلم ( ضربة شمس ) وغامر بتقديم محمد خان كمخرج جديد سيكون له شان بعد ذلك وغامر نور بماله الخاص فى سوق لايحتمل المغامرات وكانت بدايه دور سيلعبه نور فى مابعد كمنتج واع وشاب نظيف يحمل بعض القيم والمثاليات وبعض الطموحات الفنية التى لم يعد احد يجرؤ عليها . لقد كان مغزى خوض مجال الإنتاج هو ان يعمل نور مايحبه ويرتضيه ويتمناه وليكون قادرا على الاختيار اخيار ملامح البطل الذى سوف يكون بعيدا عن قوالب المنتجين واختيارات السوق التى لاتعبر فى اغلب الأحوال عن واقع الحياة .

و فى عام 1981 قدم نور الشريف فيلم ( أهل القمة ) عن قصة للكاتب نجيب محفوظ وسيناريو مصطفى محرم . و( آهل القمة ) هنا هم اللصوص الجدد الذين استفادوا من قوانين الانفتاح الاقتصادي وتحولوا الى فئة شديدة الثراء , باهرة الشكل , ترتدى احدث الثياب ., وتستخدم افخر السيارات وتتستر أحيانا وراء مظاهر التدين . والفيلم كما أراد نجيب محفوظ فى قصته يضع المواجهة بين ضابط شرطة شاب ( عزت العلايلى ) ونشال ( نور الشريف ) طالما تعقبه الضابط وقبض عليه وطالما أيضا استخدمه للإرشاد عن المسروقات . ويفاجأ الضابط ذات يوم باختفاء النشال من الوكر الذى تعود ان يجلس فيه مع زملائه من النشالين .. ويتساءل الضابط ماذا حدث ؟! وياتيه الرد من صاحب المقهى العجوز الذى اصبح وحيدا بعد ان هجره زبائنه من النشالين : ( انهم يعملون الان فى ضوء لانهار وتحت حماية الشرطة ) ويكتشف الضابط الحقيقة .. لقد تحول النشالون الى التهريب والتجارة فى المهربات واصبحوا جزءا من عصابة الرجل الكبير الذى يتمسح بالدين ( عمر الحريرى ) ويصف نجيب محفوظ هذة الماساة فى تلك العبارة : ( اصبح هؤلاء من الاغنياء اما الضابط واعوانه فيغوصون فى غمار الفقراء ) وتاتى الصدمة القاسية عندما يعرف الضابط ان ابنه شقيقته على علاقة عاطفية بهذا النشال والذى اصبح الان تاجرا كبيرا والمشكلة ان الابنة تصر عليه حتى بعد ان عرفت حقيقته . وهكذا يجد هذا الضابط نفسه داخل معركة مع جميع الاطراف . المعركة فى بيته .. وفى عمله حيث يحاول المهرب الكبير الافلات من قبضة القانون .. بل ويسعى لاستصدار قرار بنقل الضابط الى صعيد مصر عقابا له . وينتهى الفيلم .. بانتصار اهل القمة الجدد من اللصوص والمهربين والنشالين .ويمكن اعتبار ( اهل القمة ) وثيقة هامة تثبت انه فى مجال السينما مثل بقية مجالات الفن والفكر كان هناك من يقول الحقيقة حتى اذا كانت المتاعب من نصيبه . ان البطل زعتر النورى فى الفيلم بطموحاته واحلامه للتسلق واحتلال مكانة جديدة فى عالم جديد تتشكل ملامحة فى تلك الفترة كان تعبيرا عن شريحة كاملة من المجتمع تتهيا لاحتلال مكان الصدارة فى المجتمع .
وفى العام ذاته ( 1981 ) عرض فيلم ( الحب وحده لايكفى ) إخراج على عبد الخالق عن قصة احمد فريد وسيناريو وحوار مصطفى محرم حيث يتعرض الفيلم لشاب وفتاة يتخرجان من الجامعة ويصبح عليهما الانتظار لحين وصول خطابات القوى العاملة ويطول الانتظار وتضطر الفتاة ان تعمل فى محل كوافير وارتضى البطل ( نور الشريف ) ليعمل كعامل بناء . هكذا وضعا جانبا شهادتيهما الجامعية وكل أحلام العمل فى التخصص الذى درساه .. فى مقابل ان يجدا مبلغا من المال ليسدا احتياجاتهما اليومية وتلتحق الفتاة مرة اخرى كسكرتيرة فى احدى شركات الانفتاح ويلتحق خطيبها بنفس الشركة لكن سرعان مايكتشفا ان الشركة وهمية تقوم على النصب والاحتيال وتكتشف البطلة انها كسكرتيرة عليها ان تبيع جسدها مع الشقق التى تعرضها للبيع , ويكتشف البطل نور الشريف انه تورط فى عملية احتيال راح ضحيتها عشرات من العملا الذين اقنعهم بحلم السفر للعمل فى البلاد العربية باجور خيالية فذهبوا الى هناك ليفاجاْوا بان عقود العمل مزيفة .
الفيلم فى مجموعه يقدم مأساة شباب يواجه كل التحديات اللاأخلاقية والتى يفرضها أصحاب الدخول الطفيلية . فالعمل أحيانا محسوبية أحيانا ورطة يدفع ثمنها الشباب صغير السن .. ويفلت منها الكبار الدهاة الذين لا يتورعون عن فعل اى شىْ فى سبيل زيادة مكاسبهم . انها تنويعة على التيمة ذاتها تقدم البطل ذاته فى افلام الانفتاح بداية الثمانينات وتقدم الملامح التى بدات تتشكل لهذا البطل الذى يبدو انه على ابواب عصر مختلف وانه حتما سيجد نفسه فى اتون معركة شرسة لم تكن فى الحسبان . وهنا نذكر ان المجتمع المصرى كان قد شهد ومنذ نتصف السعينات تغيرا هائلا فى الاقتصاد القومى تحت اسم ( الانفتاح الاقتصادى ) وقد اثمر هذا الانفتاح من بين ما اثمر عن ظهور فئة جديدة فى المجتمع تعيش وتعمل وتكسب مكاسب خيالية من وراء الاستفادة من ثغرات هذا القانون الاقتصادى وانتشرت هذة الفئة فى اعمال السمسرة والتوكيلات ومكاتب الاستيراد والتوزيع ومكاتب التخليصات الممنتشرة بين الادارات الحكومية المختصة وبين العملاء . واتسعت رقعة هذة الفئة الجديدة لتشكل فى ما بعد طبقة خاصة من الاثرياء الذين اثروا ثراءا فاحشا بلا جهد حقيقى او نتيجة عمل انتاجى له قيمة ملموسة فى البنية الاساسية للصناعة فى هذا المجتمع واتبع ظهور هذة الطبقة الجديدة مجموعة من المتسلقين واصحاب الطموحات الخاصة تسعى للعمل فى مدارهم ولتحقق احلامهم بالثراء السريع وكان من نتيجه هذة المتغيرات الاجتماعية المفاجئة حدوث خلل وارتباك فى كثير من المفاهيم والقيم وبدات تظهر فى محيط الافراد تساؤلات تعكس مدى الصدمة التى يعانون منها .. تلك الصدمة التى جعلتهم يتشككون فى قيمة العمل الدوؤب وهل يحقق لهم هذا العمل الدؤوب قدرا من الامان الاقتصادى للمستقبل . لقد كانت سرعة المتغيرات الاجتماعية نتيجة الهزة الاقتصادية اقوى من قدرة البعض على التمعن والتفكير السليم فحدثت حالات الانهيار والسقوط والانحراف وكان نصيب الطبقة المتوسطة من تاثير هذة الهزة الاقتصادية اقوى واوضح باعتبار ان التركيب النفسى للطبقة المتوسطة يجنح دائما للحصول على مزيد من الضمانات المادية خوفا من الهبوط الى المستويات الادنى فى المعيشة . ويستطيع من يؤرخ للسينما المصرية ان يكتشف بسهولة ان بعض الافلام تناولت هذة القضية الاجتماعية كان صانعوها هم انفسهم من تجار الانفتاح والذين استغلوا الاقبال الجماهيرى على هذة النوعية من الافلام فوظفوا نقودهم فى صنع افلام تساير الموجة ولكن بلا وعى حقيقى وفى المقابل كانت هناك افلام حاولت ان تنبه وتحذر وان تقول كلمة جادة فى زمن كان من العسير فيه ان يرتفع الصوت بالاعتراض . ولكن شجاعة صانعى هذة الافلام وشجاعة ابطال هذة الافلام وشجاعة من جسدوا هؤلاء الابطال انهم دخلوا المنطقة المحظورة ونجحوا الى حد كبير ان يقولوا كلمتهم .

وفى فيلم ( العار ) عام 1982 لم تأت النهاية من خلال رجال الحكم آو القانون لقد جن الاخوة الثلاثة وسط علام من الماء والملح و عالم الطهارة الطبيعي حين التف حولهم الموت ولم يكن الا الموت خلاصا لخطايا ازدادت تفاقما عندما غاب الضميروغاب الحرص الخاص والعام على قدسية الوظيفة العامة سواء كانت قضائية أو وطنية . ان الضابط محمد فوزى فى فيلم ( أهل القمة ) لم ينحرف بوظيفته رغم كل الاغراءات عكس رجل النيابة فى ( العار ) الذى كانت نهايته على يديه عارا وادانة لبعض التغييرات التى شوهت البنية الأخلاقية لمجتمع الثمانينات ومثل رجل البوليس ذلك الأخ الطبيب الذى فقد توازنه العقلى واصبح فى حاجة الى طبيب نفسى حقيقى يستطيع معالجته . فى هذا الفيلم يبدو ان البطل كمال عبد التواب وكأنه تنويعة متقدمة من كمال عبد الجواد ( قصر الشوق ) ولكن بملامح عصرية تتلائم وحاله البطل المعاصر الذى بدا يفيق من رومانسية الستينات والسبعينات لينشب أظافره فى لحم من خدعوه ومن تكالبوا على اغتصاب براءته .
وفى ( حدوته مصرية )1982 , يذهب يوسف شاهين ابعد مما ذهب فى ( اسكندرية ليه ) فالفيلم الجديدهو أيضا فيلم اعترافات تقال للمرة الأولى على شاشة ناطقة بالعربية . والاعتراف فى صورته البسيطة قول مالايقال عادة بحكم التقاليد . فى ( حدوته مصرية ) يقول يوسف شاهين الكثير مما لايقال عن نفسه وعن عائلته فى محاولة صادقة للتعبير عن المجتمع المصرى بعد ثورة يوليو . وكما كانت السيرة الذاتية للدكتور طه حسين هى سيرة مجتمعه فى الزمن الذى عاش فيه . فان ( حدوته مصرية ) , وسيرة يوسف شاهين , هى رؤية لتاريخ الذى عاشه منذ بداية الأربعينات حتى منتصف الستينيات. ان الفيلم عبارة عن حلقة لمجتمع تختلف فيه الاتجاهات , وهو محاكمة لشخوص ينتمون اسريا الى واقع مصر فى مراحل مختلفة يتزامل فيها النمو الفكرى بالنمو الاجتماعى عبر متغيرات سياسية واجتماعية عدة . والى حد كبير اقتربت هذه المحاكمة من محاكمة ويلز فى رواية كافكا غير ان الاختلاف هنا يحدث من حيث دور التعرية الذاتية والموضوعية التى تبدا بالأسرة ثم الدولة ثم العالم .و كان بطل الفيلم يحيى يوظف نفسه كأداة لتعرية الواقع .
وفى عام 1983 عرض فيلم ( سواق الأتوبيس ) قصة محمد خان وسيناريو بشير الديك واخراج عاطف الطيب . ويقدم الفيلم رحلة الابن حسن سلطان ( نور الشريف ) لانقاذ ورشة الأخشاب التى يملكها الاب ( عماد حمدى ) , والتى تمثل له حياة الأب وكفاحه واصراره . ولكن لتراكم الديون هاهى الورشة الان معروضة للبيع فى المزاد العلنى لتسديد ديون الضرائب . وتبدا رحلة الابن الذى يعمل سائقا لاحد اتوبيسات النقل العام فى محاولة لاقناع اخوته البنات وازواجهن بالوقوف معه .ولكنه يفاجأ بردودهم السلبية رغم ان كلا منهم يعمل فى مشاريع الانفتاح , ويحقق مكاسب كبيرة . ولكن يبدو ان النقود قد غيرتهم فلم يعد احد يسعى الا وراء مصلحته الخاصة .. تمزقت الاوصال الحقيقية للاسرة .. ولم يبق غير الهيكل الاسمى فقط .. ابناء واقارب فى شهادات الميلاد فقط .. ويموت الاب على انقاض كل شىْ .. يموت بحسرته وكل الوجوة من حوله قد تحولت الى تماثيل من الشمع . فى الفيلم كانت هناك اشارة واضحة الى ازمة الشباب الذى خاض عدة حروب من اجل سلامة الوطن وحمايته من الاعداء .وعندما احتاج الى المساندة لم يجد من يسانده . لكن فى نهاية الفيلم كان هناك الشاطر حسن الذى عرفته حكايتنا الشعبية مهما كانت العواقب قاوم الخطر وطوح بزراع النشال فى فراغ وعمق المشهد وهو يضربه بعنف .
حسن سلطان البطل مازال يقاوم . فى ( سواق الأتوبيس ) الذى يتسم برحابة الرؤية ودقة تحليل الواقع يتابع عاطف الطيب رحلة الوعى عند بطله ويرصد الفيلم مراحل التغير والتحول من المراقبة والتأمل وحتى لحظة المواجهة والكشف عن تلك التغيرات التى حدثت فى بنية المجتمع المصري ى السبعينات وماصاحبها من اهتزاز لسلم القيم واستشراء للفساد وسيادة القيم المادية وطغيان الجشع والطمع بالإضافة الى شراسة الواقع الجديد الذى أدى الى انعدام الدفْ فى العلاقات العائلية والإنسانية . الورشة فى ( سواق الاتوبيس ) هى المرادف للحياة / الوطن ومعادل موضوعى للقيم النبيلة التى يدافع عنها حسن بطل الفيلم . وبطل الفيلم معادل لكل الأبطال الشرفاء الذين انتقلوا من تامل الواقع الى مواجهته مهما كان الثمن . ويمكن القول ان صناع ( سواق الأتوبيس ) قد استطاعوا ان يعبروا بصدق عن اللحظة التاريخية وان يضعوا ( على المستوى السينمائي ) لبنه قوية وأساسية فى صرح الواقعية الجديدة .
وفى ( الصعاليك ) عام 1985 ومن خلال متابعة اثنين من الصعاليك الى القمة تم تفنيد أكذوبة رجال الأعمال العصاميين وحاول الفيلم من خلال أبطاله الصعاليك ان يقدم تحليلا لاساليب الصعود غير المشروع بوعى فنى واجتماعى واقتصادى وسياسى .
وفى زمن ( حاتم زهران ) 1988 جسد نور الشريف شخصية الشاب الانتهازي الذى يهرب من أداء الخدمة العسكرية ويسافر الى اميركا وهو على النقيض من اخيه يحيى الشهم الوطنى الذى يستشهد فى حرب 73 . فى الفيلم كنت هناك صيحة مبطنة ثم صرخة عالية عن الوضاعة التى وصل اليها الانفتاحيون الجدد بمحاولة ضربهم لكل القيم الأصيلة بحثا عن الثروة والمجد .

وفى ( البحث عن سيد مرزوق ) عام 1991 خاض نور الشريف تجربة مختلفة وفريدة عندما تجاوز داود عبد السيد مؤلف ومخرج الفيلم حدود الواقعية الصارمة وقرر ان يقفز فوق التفاصيل والعلاقات المرتبطة بالواقع ليخلق عالما مختلفا يرتكز على معطيات الواقع لكنه يقوم على منطق خاص يمزج بين الحلم والواقع من دون تحديد لما بينهما من حدود حيث ان الواقع هنا مجرد جسر يعبر عليه الفنان لينفذ الى جوهره محققا نوعا من الواقعية الجسورة التى تقترب الى حد ما من السريالية . لماذا لانقول ان البحث عن سيد مرزوق كان فى واقع الامر نوع من البحث عن البطل المعاصر فى ظل متغيرات كثيرة تداخلت فيها المصالح وتشابكت الحدود واختلطت المفاهيم وضاعت المناهج والرؤى . بحسه الوطنى والقومى اختار نور الشريف ان يكون هناك مضيفا الى ملامح البطل ملمحا اخر يؤكد صعوبة السير فى طريق شائك بدات فيه العولمة تنشب مخالبها فى حياة الشعوب .

وفى عام 1992 جسد نورفى فيلم ( دماء عل الاسفلت ) شخصية الدكتور ثناء الذى يعمل فى احدى المنظمات الدولية وعندما يعود بعد غياب يفاجأ بان الانحلال قد أصاب اسرته وينتهى الفيلم بدماء ابنة باشكاتب وزارة العدل وهى تلطخ اسفلت الطريق لتدق بموتها المتوحش أجراس الخطر . لقد مثل ( دماء على الاسفلت افتتاحية لسينما التسعينات التى كانت تبدو غاضبة متمردة لاتبحث عن حق ضائع بل تغتصب ماتيسر من حقوق ويمكن القول ان الغضب كان هو السمة الأساسية فى سينما التسعينات ولكنه لم يكن ( شخط ونطر ) كما فى افلام البشاوات وانما كان من لحم ودم وجنس وقتل ومخدرات . . كانت هناك حالة انفلات فى العلاقات الانسانية والاجتماعية وكان ظهور الطفرات فى مابعد امرا طبيعيا . كان الغضب السينمائى اذن فى جزء منه رد فعل طبيعى على سلام لم يفعل فعله . بحركة الصواب التاريخى . يظل التاريخ يحاصر الانسان حتى يخرج منه او يذهب اليه لمواجهته مهما كانت الخسائر وكان نور الشريف قادرا رغم الاختيارات المحدود على الاختيار بوعى ليقول كلمته من خلال ابطاله .حتى لوادى ذلك الى المواجهة مهما كانت الخسائر .
وفى عام 1992 قدم نور الشريف فيلم ( ناجى العلى ) عن شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى صاحب الشخصية الشهيرة ( حنظلة ) وقد اثار الفيلم ضجة كبيرة. وفى واقع الامر لم يكن الفيلم عن ناجى العلى فقط ولكن كان يرسم صورة للوطن العربى الكبير بداية من النكبة عام 1948 . لقد أضاف ناجى العلى الى تاريخ الشخصيات التى تمثل علامة بحد ذاتها شخصية جديدة هى حنظلة الذى يقف على قدم المساواة مع شخصية المواطن الصغير التى خلقها شارلى شابلن وغير ذلك من الشخصيات التى اصبحت تجسد بحد ذاتها نموذجا دالا وعاما . لقد ولد حنظلة من رحم الطفولة الجائعة والمطاردة , وقضى اغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها . كان متبرما لايثق فى احد ولا يحول قلبه عن فلسطين . فى ( ناجى العلى ) قدم نور الشريف تنويعة جديدة لملامح البطل الذى يحمل فى قلبه الهم العربى ويرغب فى تجاوز الواقع المهزوم ويحلم بالوطن الذى لايدوس اقدامه الغرباء

وفى عام 1996 قدم نور الشريف ( ليلة ساخنة ) ومع عاطف الطيب قاما باستخراج احشاء القاهرة فى ليلة راس السنة واشار البطل الى امراض المدينه وتوحشها وكان الفيلم بمثابة تقرير بصرى شديد السخونة عن افتقاد الدفْ وتتنامى تجارة التعصب والتشدد وغياب الوعى والانغماس فى الملذات الصغيرة . كان ليلة ساخنة تنويعه جديدة على ( سواق الأتوبيس ) لكن من خلال سائق تاكسى هذه المرة يستكشف ويكشف عن قاهرة التسعينات الشرسة التى لاترحم مواطنيها المفعمة بالحب الذابل والكراهية البغيضة المحتشدة بالأوغاد والسفلة بالغلابة والمقهورين المزدحمة بالجلادين والضحايا .
كل عمل فنى فى العالم , وفى تاريخ كل الفنون هو تعبير عن ذات الفنان الذى يصنعه , يستوى فى هذا الفنان الذى يعبر عن قضايا المجتمع اليومية , مع الفنان الذى يعبر عن اكثر الأفكار التجريدية . بل ان الفن يكون أصيلا بقدر مايكون ذاتيا . والفنان نور الشريف مثل كل الفنانين الكبار كان دائما وعبر 169 فيلما غالبا مايعبر عن ذاته والى حد كبير كانت ملامح البطل تتشكل فى سينما نور الشريف عبر التنوع والاختيارات . آلي حد كبير حاول نور الشريف دائما آن يعبر عن نفسه من خلال هذا الفن المحاصر بقوانين السوق التجارية من ناحية وقوانين الرقابة من ناحية اخرى فنجح أحيانا ولم يوفق أحيانا مثله في ذلك مثل عشرات الفنانين العاملين في السينما في مصر وفى العالم كله وهم قله نادرة وسط كثرة طاغية من الفنانين الحرفيين الذين يقدمون الأفلام بقوانين السوق وبقوانين الرقابة . وعندما نقول حاول ان يعبر عن نفسه لانقصد التعبير عن عالمه الداخلى فقط . بل وعن علاقته بالعالم والحياة والمجتمع من حوله أيضا . وكما لاينفصل الشكل عن المضمون , لاينفصل التعبير الذاتى عن التعبير الاجتماعي . فى هذة الدراسة الموجزة لم نمر على كل الافلام التى قدمها نور الشريف وانما كاننت مجرد اطلالة اردنا ان نصل من خلالها الى ان ايه مراجعة فنية لسينما نور الشريف واى مرور على ملامح البطل الذى قدمه فى افلامه التى تقارب ال 170 فيلما , انما هى مراجعةايضا للتاريخ الاجتماعى والسياسى والاقتصادى للمجتمع المصرى خلال اربعة عقود . وهى فى جزء كبير منها مراجعة ايضا للتاريخ السياسى والاجتماعى للحياة العربية بشكل عام .

المادة فصل من كتاب ( نور الشريف الانسان والفنان ) بقلم عماد النويرى


2006 كلام الصورة تكريم نور الشريف فى الكويت اثناء ورشة التمثيل عام



مصادر :

- اتجاهات السينما المصرية – الكاتب على ابوشادى
- سينما التحولات – الكاتب احمد جمعة
- نور الشريف ومشوار فى طريق الفن والفكر والسياسة – الكاتب دسوقى سعيد
- عالم السينما والنجوم – الكاتب محمد الصاوى
- الانسان المصرى على الشاشة – تقديم هاشم النحاس
- اضواء على سينما يوسف شاهين – سمير فريد
- اوراق سينمائية – جماعة الفن السابع – الاسكندرية

1 comment:

brastos said...

لنور الشريف روح تجريبية جريئة و عالية ..