من افلام الاوسكار
فى ( الطريق الثورى ) زواج عصرى واحلام مجهضة
- اسقاط وتوتر ورغبة فى الترحال
نماذج وجذور فى اعمال فلوبير وابسن
كتب عماد النويرى
الحياة الزوجية بكل مافيها من سعادة وشقاء , وهيام وغرام وانتقام , وطموح وأمل ورتابة وملل , هي موضوع فيلم ( الطريق الثوري ) من بطولة كيت وينسلت وليوناردو دى كابريو ومن اخراج سام مينديز .. ووجود أسماء مثل وينسلت وكابريو ومينديز يعنى أننا بصدد فيلم مختلف خاصة ان قصة الفيلم مأخوذة عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب الاميركى الراحل ريتشارد ياتس يعود تاريخها لعام 1961. وقد صنفت الرواية في فترة الستينات ضمن أهم مائة رواية صدرت بالغة الانجليزية . ومن أهم روايات الكاتب : (بكاء القلوب الصغيرة 1984)، (موكب عيد الفصح 1976) إضافة لمجموعته القصصية (أحد عشر نوعاً للوحدة 1962)... ويذكر ان كيت وينسلت قد فازت بجائزة الجو لدن حلوب كأفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم كما ان مايكل شانون احد أبطال الفيلم مرشح لجائز ة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد .
حالة روحية
الأحداث تدور في فترة الخمسينات حيث نتعرف على فرانك (ليوناردو ديكا بريو)وهو متزوج من أبريل (كيت وينسلت)؛بعد تعارف قصير في أحدى الحفلات . تعمل أبريل كممثلة هاوية بينما يعمل فرانك كرجل مبيعات في شركة لتصنيع الأجهزة الكهربائية وينتقلان للعيش في بيت جميل يقع على شارع عريض يعرف بالطريق الثوري ربما كنوع من الإسقاط على الحالة الروحية والنفسية للزوجين . ابريل يمارس عمله بشكل روتنيى مثل الاف الموظفين الدائرين في حلقة البيروقراطية اللعينة وهو يرغب في التحرر والانطلاق لكنه بمرور الأيام يفقد الأمل في ذلك وفى الليلة التى يخون فيها زوجته ويعود إلى البيت يجد في انتظاره مفاجأة حيث تخبره زوجته أنها قررت السفر إلى باريس للعمل هناك في احدى المنظمات الحكومية الدولية براتب كبير . أخيرا تحقق حلم فرانك لكن تظهر العقبات في تحقيق الحلم فالزوجة تكتشف أنها حامل والزوج تأتيه ترقية من العيار الثقيل تغريه للبقاء . تتوتر العلاقة بين الزوجين وتندفع الزوجة ابريل وهى في حالة إحباط شديد لخيانة زوجها مع الجار القريب الذي طالما عبر عن إعجابه بها في الخفاء . من الطبيعي أن يتحطم الحلم وتنهار العلاقة الروحية بين فرانك وابريل وتقرر ابريل ان تجهض نفسها للتخلص من الجنين .. تهبط بعد زمن إلى غرفة الجلوس ؛ تقف أمام النافذة العريضة لتنظر إلى الطريق العريض؛ طريق الأحلام؛ الطريق الثوري؛ بعد برهة يبدأ الدم في التساقط منها؛ تلاحظه قليلا في صدمة ثم تطلب الإسعاف زفي المستشفى يهرع الجار –الذي خانت زوجها معه- ليجد فرانك منهارا في حالة يرثى لها؛ يقول له كلاما كثيرا عن زوجته التي وجدوا الجنين خارج بطنها؛ ونزفت كثيرا مما أدى إلى دخولها في غيبوبة؛ ويصارحه بأنها قد فعلت ذلك بنفسها يذهب الجار ليأتيه بكوب من القهوة؛ و يعود ليجد فرانك خارجا من غرفة العمليات باكيا ومذهولا؛ لقد رحلت أبريل
صمت وطموحات
يسكن المنزل زوجان جديدان تحكي لهما زوجة الجار قصة آل ويلر؛ وأن فرانك الآن يعمل الآن في شركة للحواسيب؛ لم يتزوج وكرس نفسه للأولاد؛ تضيف زوجة الجار القديم بأن آل ويلر كانا "غريبي الطباع" ؛ يتركهم الزوج وحين تتبعه زوجته؛ليطلب منها أن لا تأتي على ذكر آل ويلر مجددا وهو يتأمل منزلهما السابق؛ تبتسم الزوجة في سعادة؛ فهي تدرك منذ زمن إعجاب زوجها بالزوجة ويلر . في المسهد الختامي سنقترب من السيدة جيفينجز –وكيلة العقارات - وهي تتحدث لزوجها عن أن السكان الجدد هم أنسب من سكن المنزل؛ فهم أناس طبيعيون؛ زوجها العجوز الذي يستخدم سماعة أذن يذكرها برأيها السابق في أن آل ويلر كانوا هم الأنسب؛ وبمقدار حبها لهم؛ تصارحه بأنهم "كانوا غريبين" ولم يكونوا مناسبين أبدا ؛ كما أنهم أهملوا العناية بالمنزل مما حط من قيمته المادية وتبدأ في سرد مظاهر الإهمال؛ الدهان؛ المقابض النوافذ و .. ؛ يخفض الرجل العجوز من صوت السماعة شيئا فشيئا ؛ حتى يختفي صوت زوجته تماما وهي ما زالت مستمرة في الانتقاص من آل ويلر؛ وينتهي الفيلم في صمت؛ ربما يعترض على كلام زوجته وربما يقول ان الحياة الروتينية لا تتحمل التغيير وان طموحات سكان الطريق الثوري انتهت الى لاشىْ .
رغبة فى الهرب
الفيلم السيناريو يرسم شخصياته بدقه ففرانك يجسد صورة الرجل الاميركى في فترة الخمسينات والستينات الذي يحلم بتحقيق ذاته بعيدا عن التكرار والنمطية ويرغب في الترحال معتمدا على طبيعة مجتمع متجدد . والزوجة ابريل تجسد أيضا نموذجا للمرأة الأميركية المنطلقة التي تبحث عن تحقيق وجودها ولا يعنى ذلك أننا بصدد نماذج سوية طبيعية فنموذج الرجل والمرأة عموما في كتابات ريتشارد ياتس هي نماذج تشعر بالخواء الروحي ورغم قوتها الظاهرة فهي قابلة للكسر في اى لحظة ويمكن العودة إلى بعض جذور كتابات ياتس في أعمال جوستاف فلوبير مثل ( مدام بوفارى ) وأيضا بعض كتابات ( ابسن ) مثل ( بيت الدمية ) ويمكن الإشارة إلى الشخصيات الثانوية التي أجاد كاتب السيناريو رسمها لتلقى بحواراتها وأفكارها ضمن الحكاية ككل وهنا يمكن الإشارة إلى شخصية جون جيفينغز ؛ ابن وكيلة العقارات المختل؛فهو يبدو المدرك لمأساة الزوجين الخارجين عن طوع وأعراف مجتمعهما –؛ في زيارته الأولى يصارحهما بأنه يتفهم تماما رغبتهما بالهرب من كل هذا الهراء؛ يتقبل فرانك ذلك جيدا؛أما في الزيارة الثانية؛ التي يبلغان فيها آل جيفينغز بعدولهما عن الانتقال إلى باريس؛ يبدأ في الصراخ واتهام فرانك بأنه هو السبب؛ انه قد أوقع بأبريل لتحمل ومن ثم لتتوقف عن الحلم؛ ثم يواجهه بحقيقة أنه قد خسر زوجته إلى الأبد . ولأننا نتعامل مع دراما شخصيات صعبة كان من المهم وجود مثل هذه الشخصيات الثانوية لتساعد على فهم مواقف الشخصيات وتناقضاتها . ويمكن القول ان كاتب السيناريو نجح إلى حد كبير في توصيل الرسائل التي اراد كاتب الرواية توصيلها وهى رسائل تصور الحياة الأميركية التي تخفى تحت مظهرها البراق الكير من العذابات الإنسانية والكثير من الأحلام المتكسرة على صخرة واقع يحفل أحيانا بالكذب والنفاق والرياء .
اشارات
الفيلم ( الفن ) يقدم المخرج سام مينديز الذي يبدو إعجابه بمعالجة مظاهر الحياة الأميركية والخوض في أعماقها ويحسب له فيلمه ( الجمال الاميركى ) الذي حاز على العديد من الجوائز الاوسكارية ونجح في تقديم معالجة مرئية رائعة عن حياة أسرة أميركية أيضا تعانى من بعض الأمراض المزمنة للزواج العصري . في ( الطريق الثورى ) يركز مينديز على أداء الممثل باعتباره الحاضر دائما وينجح في استخلاص أقصى مايمكن من طاقه دى كابريو التمثيلية وينجح أيضا في إدارة زوجته كيت وينسلت لتقدم احد أدوارها المميزة . وإذا كان يحسب على الفيلم في بعض مشاهده بطْ الإيقاع فان ذلك كان مقصودا لضرورات درامية . وتغلب اللقطات المتوسطة والقريبة على الفيلم نظرا لأننا نتعامل مع شخصيات كثيرة الانفعال ومن المطلوب إبراز ملامحها لنسبر أغوارها الداخلية طوال الوقت . وهناك إشارة إلى مجموعة الممثلين الذين جسدوا الأدوار الثانوية خاصة مايكل شانون في دور جون جيفينغز وإشارة أيضا إلى القدرة على خلق أجواء الخمسينات من خلال مونتاج متوازن لايلهث لتقديم اللقطة أو تقديم المشهد ككل .
No comments:
Post a Comment