حسن ومرقص .. إنتاج كبير وأفكار صغيرة .
مواقف مصنوعة ودخيلة وشخصيات مسخرة
دور بارز لعمر الشريف وشىْ يثير الضحك
كتب عماد النويرى
ليس صحيحا ان النجوم الكبار يصنعون أفلاما كبيرة . وليس صحيحا أيضا أن الأفكار العظيمة كافية لنجاح اى فيلم . وليس صحيحا للمرة الثالثة ان الانتاج الضخم للأفكار العظيمة من الممكن ان يصل بالأفلام الى بر النجاح . وارى ان ذلك من البديهيات التي يعرفها االقاصى والداني , ووجدتني أتذكر ذلك بعد مشاهدتي لفيلم ( عادل وعمر ) اقصد ( حسن ومرقص
منذ بداية تعرف السينما العربية على الواقع ومشاكله لم يجروء احد على إثارة موضوع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين . وإذا حدث فقد تم تصوير هذه العلاقة بطريقة سطحية وكاريكاتورية مقوليه . وعموما السينما العربية والسينما المصرية على وجه الخصوص طالما شوهت رجال الدين المسلمين والمسيحيين وصورتهم على أنهم بشر متعصبين لايتحدثون إلا بصوت عال , ولا يفعلون مايقولون , واغلبهم مصاب بدرجة من درجات الفصام . وفى مجمل الأعمال التي اقتربت من الدين تم التعامل مع عموم الشخصيات بطريقة الأبيض والأسود فهناك الكفار الكافرون الكفرة , وهناك المسلمون الطيبون المتسامحون . لكن يمكن استثناء بعض الأفلام التي تعاملت مع الموضوع الديني بشكل حضاري , وأحيانا بشكل نقدي موضوعي , مثل فيلمي ( صلاح الدين الايوبى ) للراحل يوسف شاهين و( بحب السيما ) لأسامة فوزي .. واذاذكرنا أن هناك أكثر من 6 ألاف فيلم روائي عربي تم إنتاجها منذ ظهور السينما في بلاد العرب , فان الأفلام التي تجرأت وصورت الموضوع الديني تعد على الأصابع وهكذا الحال بالنسبة لأغلب الموضوعات التى تهم المشاهد العربى , ويعود ذلك بالطبع إلى قوانين الرقابة التي تعتبر الخوض في موضوعات الدين والجنس من المحظورات ويجب تركها خلف الأبواب المغلقة بالشمع الأحمر , ولا يجب الاقتراب منها إلا في حدود تتغير بتغير الحكومات والسياسات . وكان لي ان أتخيل ان وجود شركة إنتاج ضخمة مثل ( جود نيوز ) , ووجود أسماء ضخمة مثل عمر الشريف وعادل امام , ووجود افكار ضخمة مثل موضوع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ووجود رقابة اصبحت أكثر تسامحا مع موضوعات الدين والجنس , تخيلت ان كل ذلك من الممكن ان ينتج فى النهاية فيلما ( ضخما ) يكون قادرا على تقديم وثيقة سينمائية فنية عن قضية مهمة وخطيرة . لكن أحيانا تأتى الأفلام بما لايحقق الخيالات والتصورات
في ( حسن ومرقص ) هناك الكثير من المواقف المصنوعة والدخيلة , لم افهم مثلا كيف ان شعب المنيا بهذه السذاجة والتخلف, وكيف ينخدع هذا الشعب بسهولة عندما ياتى بالعشرات إلى الشيخ حسن العطار ويطالب به اماما للمسجد . ولمصلحة من تم تصويرهؤلاء الناس وكان الحياة العصرية توقفت عندهم منذ قرون . طبعا نحن مدركون لحالة التخلف الديني والعلمي والثقافي لبعض الفئات التي مازالت تعيش في أعماق القرى والمدن والعشوائيات, ولم نكن نعرف ان عموم أهل المحافظات قد وصلوا الى هذه الدرجة من العبط كما صورهم الفيلم .
ولم يكن مقنعا ابدا ( اذا تعاملنا مع الفيلم بالجدية التي يطالبنا بها كى نصدق رسالته ) لم يكن مقنعا وجود تفكير مباحثي في امن الدولة بهذا الشكل الذى يغير فيه الهويات بهذه السهولة . طبعا هذا يحدث ونعرف انه يحدث لكن الطريقة التي تمت بها ذلك في الفيلم كان ينقصها الكثير من المنطق , فقد كان من المهم عمل كل الاحتياطات اللازمة لحماية بولس ومحمود اوحسن ومرقص من كل الأحداث المثيرة التي تعرضوا لها . طبعا وقوعهم في خضم هذه الأحداث هو الذي صنع دراما الفيلم لكن كان من المهم أن نشعر ان الاثنين مرقص وحسن تحت رعاية أمنية مطلوبة حتى ولو من بعيد . وقد تحول الفيلم في مشاهد كثيرة الى نوع من الخفة لم يكن مطلوبا أبدا تحت اى مسمى فقد ظهر اللواء (عزت ابوعوف )مسؤول او مديراو ورئيس المباحث وهو في حالة يرثى لها , وقد أعطت شخصيته الانطباع بأنه لايصلح حتى ليدير ملهى ليلى من الدرجة العاشرة . وتم رسم شخصيته وهى واحدة من أهم الشخصيات في الفيلم بطريقة ساخرة خاصة عندما ياتى ذلك الرجل الذي يعطية موبايل المكالمات العاجلة ,وهذا شي لايمت لمدير أمنى كبير بصلة . وأتصور ان هذه المشاهد لها صلة أكثر بالأفلام القديمة التي كان الخفير الغبي يفاجأ العمدة في كل لحظة يكون فيها مشغولا بمكالمة تليفونية من المأمور . . ستقول لي أن الشخصية رسمت بهذا الشكل لإضفاء جو كوميدي على أحداث مأساوية خطيرة . وسأقول لك ان هذا مطلوب بالفعل , ولكن لايجب ان يحدث ذلك على حساب تشويه ملامح الشخصيات الأساسية وإعطائها ملامح غير واقعية . لقد تحول رئيس المباحث في الفيلم إلى مسخرة كبيرة . وغير ذلك فان محاولة ابن جورج الجواهرجي تأليب الناس على حسن ومرقص بسبب اكتشافه ان ابن مرقص كان يجلس مع ابنة حسن في واقع الأمر افتقد هذا المشهد لكل منطق وكان ضعيفا للغاية . ماذا تعنى صورة لفتى يجالس فتاة في مكان عام امام كل البشر وهم اصلاا جيران يقطنان في العمارة ذاتها وفىالطابق ذاته والابوان يتشاركان فى تجارة واحدة . !
وغير المبالغة في المواقف وتبديل ملامح الشخصيات لتتلاءم مع مطالب الشباك كانت في السيناريو مشكلة رئيسية وهى محاولة الكاتب تطويع الفكرة الرئيسية الرائعة لمتطلبات السوق . وكانت النتيجة هي إعادة صياغة لبعض المشاهد التي تعج بها الأفلام القديمة ( مثل مشهد مباركة حسن العطار لبعض الحالات المرضية في المنيا ) . وإعادة صياغة لبعض حركات النجم التي قدمها من قبل في العشرات من أفلامه النظرات والتعليقات بين مرقص وابنه ) ثم تقديم بعض المواقف التى لاترتبط ارتباطا أساسيا بمنطق الشخصية ومنطق الأحداث .
لكن رغم كل الهفوات والملاحظات لايجب ان نقلل من حالة النضج والابداع التي ظهر بها النجم عمر الشريف فقد استطاع بنجاح كبير ان يجسد شخصية الحاج محمود ثم المسيحى مرقص , وكان قادرا على إضفاء وهج خاص على الشخصية وتركيبتها النفسية . وكانت لبلية في أجمل حالاتها في دور زوجة مرقص واعجبنى ادوارد وضياء الميرغني في ادوار جديدة ,وحاول عادل امام النجم كثيرا ان يتغلب على نجوميته امام شخصية بولس ثم شخصية حسن العطار وقد نجح الى حد كبير , وفى مشاهد كثيرة ظهر محمد امام وهو يحاول تجسيد الشخصية بطريقته الخاصة بعيدا عن الوقوع في دائرة التقليد لابيه عادل امام وقد نجح فى ذلك . وهناك اشارة ايضا للدكتور هناء عبد الفتاح الذى امتعنا بتجسيد دورة الصغير كصاحب البناية التى نزل فيها حسن ومرقص . وتبقى اشارة الى المخرج رامى امام ولاشك بانه مخرج موهوب ويتملك مفردات لغته السينمائية واعطى البرهان من قبل على انه مخرج مميز . وأتصور لوتوافرت له عناصر النجاح وعلى رأسها سيناريو واضح ومتماسك من المؤكد انه سيكون قادرا عل ممارسة ابداعة كمخرج له مستقبل على خارطة الاخراج السينمائي العربي . .
فيلم ( حسن ومرقص ) انتاج ضخم يقوم ببطولته نجوم كبار لكن تم العبث به فتحول الى شىْ يثير الضحك مع احترامنا لكل الافكار العظيمة ولكل النوايا الطيبة .
1 comment:
mawdo3 gamel m3 ene da5;t el film w 3agbne awe bas haset en fe hagat na2sa kteer
Post a Comment