Tuesday, December 04, 2007


وطن االشجاعة من فيتنام الى العراق وصور الحرب المؤلمة
البحث عن جماليات ودور كبير فى تشكيل الذاكرة
مقدمة مثيرة ونقطة تحول وتجارب واعدة



الحرب في العراق ومايحدث للجنود الأميركيين بسبب هذه الحرب وتأثيرات هذه الحرب على الجندي الانسان وكل من حوله عندما يعود الى ارض الوطن هو موضوع فيلم ( وطن الشجاعة ) من بطولة صامويل جاكسون وجيسكا بييل ومن اخراج اروين وينكلر . وتدور الأحداث لتصور حكايات بعض الجنود الأمريكيين بعد عودتهم الى الديار ومع العودة تتنوع القصص ونشاهد الجراح الذي عالج الكثير من الإصابات الخطرة أثناء الحرب ، والأم التي تعمل مدرسة حيث فقدت ذراعها أثناء إطلاق النار ، والمقاتل الذي فقد اعز أصحابه في المعارك، والمجند الذي يقتل امرأة عن غير قصد. ويجد العائدون انهم فى مواجهة واقع جديد تتغير فيه المفاهيم والعلاقات . لقد كانت الحرب تجربة سيئة وغير إنسانية لذلك فانهم غاضبون وبداخلهم احساس كبير بالمهانة . وفى لحظات مواجهة النفس كان لابد من الخوض في دائرة الأسئلة الصعبة عن الحرب ومشروعيتها وجدواها .

تعتيم
وضمن الأفلام التى عرضت في مهرجان الشرق الأوسط في ابوظبى كان لنا ان نشاهد ( 'صور مطموسة) من بطولة ايزي دياز ودانيل شيرمان ومن اخراج بريان دي بالما وقصة الفيلم تدور أيضا حول بعض ما يحدث في العراق، وقد صورها المخرج بكاميرات الديجتال في شكل فني يحاكي السينما التسجيلية، حيث يعيد سرد وقائع تعرف عليها من خلال الانترنت وتتجاهلها السلطات الاميركيةوتعتم عليها كل وسائل الأعلام. والحادثة الاساسية في الفيلم هي قيام جنديين اميركيين في يوليو 2006 باقتحام منزل اسرة عراقية في سامراء، وقتل الام والجد والابنة بعد اغتصابها، مستغلين غياب الأب. عن الفيلم قال دي بالما انه محاولة لتعريف الجمهور العريض بحقيقة ما يحدث في العراق، واضاف :( في فيتنام كانت هناك مذابح، ولكن لم يكن ذلك عاديا ويحدث يوميا مثلما يحدث الآن في العراق، واميركا كانت تعلم، ورغم أن الافلام التي انتجت عن فيتنام كانت بعد الحرب فان الصحافة كانت حرة وتحكي الحقيقة، وكان هناك حركة قوية للرأي العام. يستخدم ( صور مطموسة ) الشكل التسجيلي من خلال مجموعة متنوعة من مواد مصادر المعلومات، منها مشاهد من اشرطة المراقبة، وشهادات متوافرة على الانترنت ومواد اخبارية ، وكان دي بالما قد تناول حادثة مشابهة حدثت في فيتنام في فيلمه 'ضحايا الحرب' عام ،1989 ولكنه ينتقد ان ما كان يعرفه الاميركيون عن فيتنام كان أكثر بكثير لوجود مجلات صور مثل 'لايف' التي أثرت على الرأي العام الاميركي، أما الآن فإن القائمين على حرب العراق ومعظمهم ممن شهدوا حرب فيتنام قد تعلموا درسا واحدا وهو عمل تعتيم اعلامي للتحكم في الرأي العام. ونختلف مع مايطرحه بالما لان وسائل التعبير والايضاح تفوق بمراحل كثيرة تلك التى كانت موجودة فى الامس القريب .


ومع حلول الذكرى السابعة لهجمات 11 سبتمبر عرضت العديد من صالات السينما بالولايات المتحدة فيلم "في وادي إيلا" وكان لنا ان نشاهدة ايضا فى ختام مهرجان الشرق الاوسط . والفيلم يروي قصة مقتل جندي أميركي عاد من العراق.وقد حمل الفيلم توقيع المخرج الكندي بول هاغيس الحائز على جائزتي أوسكار عن فيلم ( كراش ) عام 2006.وهناك أيضا فيلم يبرز مأساة الحرب على العراق بعنوان (وفاة غريس) الذي قوبل بترحاب منقطع النظير بمهرجان ساندانس.
ونذكر ايضا ( اسود مقابل حملان ) الذى يعرض الان على شاشات الكويت وتصور احداثه تنويعةربما سادسة اوسابعة لموضوع الحرب فى العراق , والفيلم من بطولة توم كروز وميريل ستريب .

مواجهة

الشاشة الكبيرة بالطبع لها دور كبير ومهم ومؤثر في تشكيل الذاكرة و المخيلة , خصوصاً فيما يتعلق بتجارب الحروب التي خاضها الإنسان في القرن الأخير في بقاع مختلفة من العالم. و. قد تاثرت السينما بالحروب وحاولت رصدها و تأريخها. و كان على صناع الأفلام أن يطوروا دائماً لغة سينمائية قادرة على معالجة التجربة و تجاوز اللغة البصرية السائدة في التعامل مع الحروب، خصوصاً تلك التي تنتجها وسائل الإعلام التي تخضع بطرق و درجات مختلفة للرقابة السياسية من قبل صناع الحروب أنفسهم.‏ و لكن هل يمكن القول إن السينما اليوم تواجه وضعاً جديداً لم تعرفه من قبل في علاقتها الطويلة مع تجارب الحروب الكبرى؟ لقد واجه هذا الفن حالة الحرب في العراق منذ أكثر من أربع سنوات ليكتشف أنه يعيش تجربة جديدة في عصر اختلفت فيه علاقة الناس مع المعلومات بشكل عام، و مع الصورة بشكل خاص. و هناك اعتقاد سائد حالياً في أوساط صناع الأفلام أن هناك حاجة جديدة للغة سينمائية تستطيع التعبير عن تناقضات عصر أصبحت فيه الصورة التي تنقل مباشرة من جبهات الحروب جزءاً من حياة الإنسان اليومية بكل فعالياتها و فضاءاتها فالاجيال الشابة التي لم تعش تجربة حرب فييتنام تبدو محكومة في فهمها للحرب بذاكرة السينما و ما أنتجته من صور و أيقونات و أصوات في أفلام تحولت إلى أفق في المخيلة الجمعية حول هذه الحرب. أفلام عديدة مثل ( الرؤية الان ) و ( صائد الغزلان ) و( العودة الى الوطن ) . و في أفلام أخرى أقل جدية من حيث جمالياتها السينمائية و أكثر حضوراً من حيث طبيعتها التجارية لا تغيب صورة الحرب السينمائية التي صنعت مخيلة الأجيال الشابة حول تجربة فييتنام المريرة. ربما كانت هناك بعض الأسباب التي تدفع إلى مقارنة المعالجة السينمائية لحرب فييتنام مع معالجة ما ظهر من أفلام خلال السنوات الأربع الماضية للحرب الأمريكية على العراق.‏

مقارنة
ويرى راين غيلبى الناقد السينمائى البريطانى فى مجلة نيو ستاتمنت ونرى معه إن المقارنة ضرورية من وجهة نظر تقنية، لكن الفوارق كبيرة و شاسعة بين التجربة السينمائية في كل من الحالتين. إن مقاربة السينما العالمية للمأساة العراقية منذ بدء الحرب الأخيرة مرت بمراحل متعددة بدأت بإنجازات وثائقية متواضعة إنتاجياً ثم وصلت أخيراً إلى استوديوهات هوليود الكبرى. و في نظرة عامة إلى ما قدمه الفن السينمائي في إنتاج معرفة مغايرة للحرب الأمريكية على العراق نرى أن هناك تغيراً نوعياً في علاقة الفيلم بالواقع. ففي أيام حرب فيتنام كان من الصعب بالنسبة للمشاهد المهتم العثور على فيلم يتناول موضوع الحرب كحدث معاصر بلغة مغايرة للإعلام السائد الذي كانت تحكمه رقابة سياسية مشددة. و في أحسن الأحوال كانت بعض الأفلام تستخدم صوراً تقارن علاقة الولايات المتحدة المعاصرة مع العالم بصراعات ماضية مثل الحرب الكورية أو الإبادة الجماعية للهنود الحمر كما في فيلم "الجندي الازرق". أما في حالة الحرب على العراق، فإن الجمهور المعاصر يعيش في فضاء عامر بالصور و الأصوات الحية عن تلك الحرب. إن ثورة الاتصالات الرقمية قد وفرت أيضاً إمكانية كبيرة لتجاوز سلطة الرقابة السياسية التقليدية ، و وفرت أيضاً إمكانية لتجاوز سلطة الرقابة الثقافية و الذاتية التي تفرضها حدود الاختلاف بين المجتمعات و الثقافات. و هكذا وجدت السينما نفسها في واقع يحتم البحث عن جماليات و لغة جديدة يمكن لها أن تقنع المشاهد بدفع ثمن التذكرة بحثاً عن شيء جديد لم يجده على شبكة الإنترنت التي تضج بأصداء الفاجعة العراقية. كانت بداية هذه المغامرة السينمائية الجديدة في مجاهل الفاجعة العراقية بطيئة مع أفلام مثل "شظايا العراق" و الإنتاج الهوليودي المشوق "مملكة و استسلام". ثم تتالت أفلام عديدة. كما ذكرنا .و هناك نماذج أخرى عديدة من الأفلام التي تصدت إلى المغامرة الكبيرة في إنتاج صورة فنية عميقة للمأساة العراقية. بعض هذه الأفلام لم يقارب موضوع الحرب كمادة مباشرة، بل حاول رصد الآثار العميقة و الطويلة المدى على الواقع الإنساني الكوني بشكل عام، و على المخيلة الأمريكية بشكل خاص. و يتميز فيلم المخرج روبرت ريدفورد كنموذج على هذا الاتجاه. أما في الجانب الوثائقي فكانت هناك أفلام متميزة و هامة جداً نذكر منها: (لا نهاية في الرؤية) الذي يفضح الأداء الرديء للسياسة الأمريكية في مرحلة ما بعد احتلال العراق، و فيلم "جبهة من أجل الحديثة" للمخرج نايك برومفيلد و هو عبارة عن إعادة بناء لقصة المذبحة التي نفذها الجنود الأمريكيون بحق أربعة و عشرين من المدنيين العراقيين. لأجيال قادمة.
قال بعض قدامى المحاربين في القوات المسلحة الأميركية والخبراء العسكريين إنهم يشعرون بخيبة أمل نتيجة الأمور السيئة التي سجلتها عائدات شبابيك التذاكر للأفلام المبينة على سيناريوهات الحرب على العراق.
وذكرت صحيفة «سان فرانسيسكو» كرونيكل أنه على الرغم من مشاركة نجوم الصف الأول في هوليوود والآراء الجيدة للنقاد في غالبية الأحيان، فإن الأفلام الحربية مثل «أسود لحملان» و«في وادي ايلا» لا تستقطب محبي الأفلام السينمائية.وقال الرقيب أول في الحرس الوطني الأميركي جبار ماغرودر الذي خدم لمدة 11 شهراً في العراق «اعتقدت أنه مع هذا الحشد من النجوم، فإن جزءاً من أميركا على الأقل سيتوجه لمشاهدة الأفلام».
بالطبع كل هذه التجارب السينمائية هامة و تبدو للكثيرين واعدة، لكنها قليلة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحرب بدأت منذ أربع سنوات و أنها تركت آثاراً عميقة و هائلة في الواقع العالمي و في حياة الناس في كل مكان. لقد كانت نقطة التحول بالنسبة للصناعة السينمائية التي كانت تتبنى شعار "لا تذكر الحرب" هو ما فعله مايكل مور في احتفالية توزيع جوائز الأوسكار عام 2003. لقد كان خطاب مايكل مور الجريء في تلك الاحتفالية مقدمة مثيرة سينمائياً لمرحلة التخلي عن شعار "لا تذكر الحرب»: و بداية من هذه النقطة وجدت الصناعة السينمائية نفسها متحررة مما قيدها لبعض الوقت في اكتشاف أن الحرب على العراق مادة سينمائية غنية يمكن من خلالها كتابة تاريخ الذاكرة الإنسانية التي ستشغلها هذه الحرب

عماد النويرى


No comments: