Sunday, April 26, 2009



فضائيات



فاروق وناصر و ( عولمة) المشاهدة


كتب عماد النويرى

كنت ومازلت من المعجبين بمسلسل ( الملك فاروق ) , وكنت من الذين أشاروا إلى أهمية المسلسل على مستوى الشكل وعلى مستوى الموضوع مع بدايات عرضه , وإذا كان المسلسل قد نجح في تقديم صورة مختلفة من الدراميان التاريخية العربية تتميز بلغة بصرية مبهرة و معبرة لم تتعودها عين المشاهد العربي . فان أهم ما قدمه المسلسل هو حالة النقاش والجدل التي أثارها على مستوى البرامج الفضائية العربية مابين مؤيد ومعارض . مابين مؤيد للمسلسل على انه يظهر الصورة الحقيقية للملك فاروق ومعارض للعمل ككل باعتباره مجرد مؤامرة درامية مقصودة للدفاع عن ملك فاسد والدعوة للملكية باعتبارها هي أفضل أشكال الحكم في الوقت الحالي . وحتى وقتنا هذا مازالت الفضائيات عامرة بالمحللين الدراميين ( الاستراتيجيين) الذين ماانفكوا يهاجمون أو يدافعون عن العمل . وفى زحمة النقاش الصحي و الصراخ العصبي نود ان نقول ان هناك عشرات الأعمال التي تناولت حتى الان بعض أشرار التاريخ مثل نابليون وهتلر وموسولينى .ولم تهدف أبدا لهدم عصور أو تحسين صورة عصور أخرى . مسلسل ( الملك فاروق ) وبعده مسلسل ( جمال عبد الناصر ) يجب ان يكونا البداية وليس النهاية . البداية لتصوير تاريخنا القديم والمعاصر بعيدا عن تجارة رجال السياسة أو ابتزاز كتاب التاريخ . الدراما التاريخية هي مجرد قراءة فنية وجدانية لاحداث التاريخ . التاريخ يحدد لنا متى وأين ولد المغنى . والدراما تقول لنا كيف كان للغناء سحره , وكيف كان للمغنى ان يطرب في ذاك الزمن . الدراما لاتقدم قراءة واحدة عما حدث , وإنما تجتهد . وفى تصويرها لاتنجح أبدا في قول كل الحقيقة .

---------------------------------------------------------------------
دراسة قام بها الدكتور احمد حجازى أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق أكد فيها ان العالم العربي انفق 16 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة على استثمارات الفيديو كليب بالقنوات الفضائية . وهو رقم ضخم يزيد على ميزانيات العديد من الدول .
الدراسة أكدت ان هناك قنوات تحقق أرباحا من خلال بث الأغاني للمطربين الشباب مقابل مبالغ تصل الى حوالى الف وخمسائة دولارا لاذاعة الأغنية 3 مرات يوميا . كما تحقق مكاسب من خلال رسائل ال( اس ام اس ) واعلانات إدخال الأغاني على المحمول , والمكاسب تصل أحيانا الى مليون دولار شهريا .
حتى هذه اللحظة فانه يوجد أكثر من 20 محطة فضائية غنائية عربية والإعداد قابلة للزيادة بشكل متسارع , وهناك إقبال غير عادى من الشباب خاصة من سن 12 إلى 25 سنة على متابعة هذه القنوات . وغير خاف على احد ان هذه القنوات تسيطر وتتحكم بشكل مباشر في تحقيق الشهرة والنجاح لاى مطرب حتى لوكان لايتمتع بصوت جيد . مايهم هو وجود مساحات من الرقص المثير والاستعراض العاري .
أصابع الشك البعض يوجهها إلى أياد خفية تدميرية تدبر مؤامرة على أبنائنا وبناتنا لإقناعهم ان الحياة لونها ( وهبى ) وان روبى وسابا وساندرا ونجلا هن النماذج التي يجب ان يحتذى بها . وان الفتاة لن تكون جذابة اومثيرة الا إذا قلدت ( رولا ) و( بولا ) و( لولا) , وطبعا هناك العديد من المقالات والكتب والندوات والمؤتمرات التي ناقشت وتناقش تأثير مثل هذه الفضائيات على أجيال الشباب .
والبعض الذي لايشك يرى ان هذا النوع من الأغاني موجود منذ السبعينات وكان يعرض من خلال برامج الغناء والموسيقى ,وكان الفيس بريسلى والبيتلز والبونى ام يقدمون الكثير من الكلمات الخارجة , والمشاهد المثيرة من خلال أغانيهم . وكل مايحدث الان هو تعريب لهذه الأغاني من حيث الشكل والمضمون , وإذا اغلقت المحطات الغنائية أبوابها فمن المؤكد ان المشاهد سيتحول إلى مئات القنوات الأجنبية التي تقدم مثل هذه الكليبان الساخنة .والمشاهد اصلا لم يعد بحاجة إلى ( سخونة ) كليبات هذه المحطات لان ( السخونة ) أصبحت متاحة بسهولة على مئات المحطات التى يسهل استقطاب بثها في اى لحظة . وان مايحدث هو نوع من عولمة المشاهدة , وعلى المشاهد ان يكون واعيا إلى حد حسن الاختيار. وان هذه المحطات ليست هي المسؤؤلة عن فساد احد وليست قادرة على إفساد احد طالما ان المشاهد محصن ويملك المناعة ضد كل أشكال الإغراء والفساد .
ووجهة نظر ثالثة تقول انه في كل العصور دائما مايكون هناك فن جيد وفن غير جيد للاستهلاك اليومي وفى عصر عبد الوهاب وام كلثوم كانت هناك العشرات من الأغاني الهابطة , وفى عصر عبد الحليم حافظ انتشرت أغاني احمد عدوية انتشار النار في الهشيم , وفى النهاية لايبقى إلا الصحيح ويتوارى القبيح ويبقى الجميل .
وارى ان العملية كلها تجارة , وكل هذه المليارات التي تدور في ( بيزنس ) هذه الفضائيات لم تفد المشاهد والمستمع بأي شىْ سوى تضييع وقته دون اى احترم لذوقه أو ثقافته أو معتقداته , وخلال بثها الذى يتجاوز الان عقد من الزمان لم تقدم هذه الفضائيات مايستحق السماع الا في ما ندر . والمشكلة الحقيقية ان هذه المحطات لاتخضع لاى منظومة أدبية أو أخلاقية أو ذوقية في اختيار وعرض ماتقدمه , ويبدو ذلك واضحا من كلمات الاغانى والتي تصل في بعض الأحيان إلى درجة الإباحية , وقد تتشابه كلماتها مع كلمات اغانى البورنو .
لكن سيكون من باب محاربة طواحين الهواء لوطالب احد بإغلاق هذه الفضائيات , وسيكون من العبث ان ننادى بضرورة ان يلتزم أصحاب هذه الفضائيات باى ميثاق من اى نوع لأنهم لايدعون أنهم من المصلحين الاجتماعيين
وإنما هذه الفضائيات بالنسبة لهم مجرد مشاريع تجارية مطلوب منها ان تحقق الأرباح . وستكون هذه المحطات جاهزة دائما للتوالد مع زيادة رقعة الحرية فيها , هذه الحرية التي تعنى ان مانراة الان من اثارة وعرى سيكون قريبا من عصر التحجب .



----------------------------------------------------------------------



( أريد حلا ) من الأفلام المميزة التي تحرص بعض الفضائيات العربية على بثه بين الحين والأخر , قصة الكاتبة الصحافية والناقدة السينمائية حسن شاة حوار سعد الدين وهبة وسيناريو وإخراج سعيد مرزوق
بطولة : فاتن حمامة، رشدي أباظة، أمينة رزق، ليلى طاهر، كمال ياسين، احمد توفيق، محمد السبع، رجاء حسين وعلي الشريف.
(أريد حلا') كان السبب في تغيير بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية لناحية كيفية طلب الزوج لزوجته في بيت الطاعةِ
استمد الفيلم أهميته من القضية التي يتناولها، وحساسيتها والحكم الشرعي فيها، وهي قضية تتفرع إلى عدة خيوط تنسج كلها المشاكل المتعلقة بالحياة الأسرية،ويشير الفيلم غالى الخلافات التي تنشا بين الأزواج . والأسباب الى تؤدى الى تفكك الأسر، فى الفيلم أيضا إشارة إلى عمليات الطلاق والتقاضي وأحوال المحاكم التي تنظر في هذه القضايا لكل طبقات المجتمع . لكن لان القانون يمكن تعطيله أحيانا , ولايتم تطويره بما يتلاءم وتغيرات العصر , فان النتيجة ِتصب في مصلحة الرجل على حساب المرأة، حتى وان كانت بريئة ومظلومة ومهضومة الحقوق،
من خلال إجراءات التقاضي في المحكمة يستعرض الفيلم بجاذبية شديدة وواقعية مبهرة، نماذج للعديد من المآسي والمهازل الأسرية، لعل أهمها حصول احد الأزواج على وثيقة تفيد بوفاة زوجته، التي تنتظر دورها في الوصول إلى القاضي للحكم في قضية النفقة المرفوعة منها ضد زوجها الذي طلقها وتزوج بأخرى، فإذا بالقاضي يحكم لصالح الزوج بناء على الوثيقة المزورة التي احضرها الزوج وتفيد بوفاة مطلقته
فيلم 'أريد حلا' من أهم الأفلام التي تناولت هذه القضية الشائكة التي تسبب خراب البيوت وتفتت الأسر وتشرد الأولاد وتصيب المجتمع بالخلل . ِ
في هذا الفيلم يطل سعيد مرزوق،كواحد من أهم المخرجين في جيله، والذي يتميز عنهم بكونه شاعرا ورساما ونحاتا، إضافة إلى موهبته في كتابة سيناريوهات أفلامه، سواء اكانت موضوعات هذه الأفلام من بنات أفكاره أم لكتاب سينمائيين آخرين، أو لأدباء معروفينِ
الفيلم عند سعيد مرزوق عالم متكامل، يبلوره ويمسك بكل خيوطه وهو مثل يوسف شاهين في الانتماء المتبادل بين ذاته والفيلم، لذلك نرى عبارة 'فيلم للمخرج سعيد مرزوق' على كل أفلامه، اي انه في النهاية، هو الفيلمِ
ومثل هذه العبارة لا تجوز إلا لمن يكتب الفيلم ويبلور أفكاره في السيناريو وأخيرا الإخراج، على عكس عبارة (إخراج فلان) فالمخرج هنا هو منفذ رؤى وأفكار غيره، بينما يعد سعيد مرزوق على إن تكون أفكاره ورؤاه في السيناريو والحوار سابقة لصفته كمخرج، حتى وان لم تكن الفكرة أو الموضوع من عنده .
من بين أكثر من مائة فيلم خلال رحلتها الفنيةوالتى بدأت عام 1940 مع فيلم ( يوم سعيد ) يعتبر ( أريد حلا ) من أهم الأفلام التي قامت فاتن حمامة ببطولتها خلال فترة السبعينات وفى الفيلم تلعب فاتن حمامة دور المترجمة الصحافية التي تقوم بالدفاع عن حقوق المرأة , وتحاول إن توصل رسالة مهمة عن القهر الذي تتعرض له المرأة العربية أحيانا بسبب غرور زوج متسلط .
في الفيلم ( الفن ) يمكن التوقف عند الكثير من محطات التميز من ناحية التصوير الخارجي والإبداع التمثيلي للكثير من الممثلين المشاركين فيه مثل رشدي أباظة وعلى الشريف ورجاء حسين.
غير قيمته الفنية فان أهمية الفيلم تعود إلى انه من الأفلام القليلة التي قدمتها السينما العربية في مجال مناقشة بعض قضايا المرأة وتم ذلك بجرأة وشجاعة مع عرض للحقائق بطريقة أرغمت الكثيرين على إعادة النظر في الأحكام الجائرة التي تنفذها بعض المجتمعات بحق المرأة .