Saturday, October 06, 2007


عطر امرأة»..ملحمة (آل باتشينو) في فن التمثيل
إيقاع هاديء ولقطات طويلة والبطولة للحوار

هذا الفيلم لا توجد فيه كميات مهولة من الدماء أو حتى أي نقطة دم تراق على الشاشة بمناسبة أو غير مناسبة. ولا توجد فيه نساءيستعرضن ظهورهن العارية وأجسادهن الرشيقة بين كل لقطة وأخرى. ولا توجد فيه لقطات (ملط) أو لقطات بقمصان النوم تلك التي دفعت (شهبور) و (يوسف) للإسراع بدخول السينماكما حدث في فيلم (المنسي).وهذا الفيم لا توجد فيه أيضا قصة حب تستدر الدموع من فرط رومانسيتها وأحزانها. ولا توجد فيه استعراضات مبهرة وديكورات فخمة، ورغم كل ذلك فقد استطاع الفيلم أن يحصد جائزةالأوسكار هذا العام لأفضل ممثل، هذا غير أربع جوائز (غولدن غلوب)/ إنه (عطر امرأة) أخراج (مارتن بريست) وبطولة (آلباتشينو) و(كريس آودونيل).
فى (عطر امرأة) يقدم (آل باتشينو) دور حياته في ملحمةاداء تمثيلية تستحوذ على كل أنتباهك من الوهلة الأولى. ويجسدشخصية مركبة. من تلك الشخصيات الخالدة في تاريخ الدراما،ويمكن وضعها في مصاف الملك لير) و (ماكبث)هىشخصيات رغم بساطها، مفعمة بالطموح ممتلئة بالحياة، دائما تسعى للتغلب على ضعفها وعجزها، إنها ترغب دائما في أمتلاك الحياة ولهاحكمتها الخاصة المنفردة.في (عطر امرأة) يلعب آل باتشينو) شخصية الضابط الكبيرالمتقاعدة (فرانك سلاد )عسكري سابق يعيش خاملا وحيدافي شقة ملحقة ببيت قريبة له. يمضي هذا الضابط أيامه في
تناول الشراب والأستماع إلى الموسيقى لكي ينتصر على فقدانه للبصر. وفي حالات الضيق يجد نفسه متقمصا لشخصيته القديمة فيبدأ في إصدار الأوامر والصراخ في وجوه من حوله وهويحلم أ ن تعود إليه حياته في الأيام الخوالي.
يحدث أن تذهب قريبة (فرانك) لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في شأن من شؤونها. وتوظف طالبا لكي يسهر على شؤون قريبهاالأعمى في البداية يتعامل العسكري المتقاعد بعدم تعاطف مع الطالب (شارلي) الذي جاء ليقدم خدماته مقابل بعض المال الذي يعينه على مواجهة الحياة كطالب مفلس وملتحق بكلية لا يدخلهاإلا الأغنياء. ورغم سوء المعاملة التي يلقاها (شارلي) في البدايةمن قبل (فرانك) ألا أنه سرعان ما تنشأ علاقة تفاهم وتعاطف بين الأثنين. كل منهما يحتاج إلى الآخر. الأول بحاجة لمن يعيد إليهالأمل في الحياة. والثاني بحاجة لخبرة الآخر والتعلم منه (فرانك)عنده صلابة الذين لا يرون وهو لا يملك البصر إلا أنه يملك البصيرة. وخلال نزهة إلى نيويورك، يتعارف الأثنان أكثر ويبدأ(فرانك) في تعليم (شارلي) كل حيلة التي مارسها كرجل يجيد التعامل مع النساء كما يعلمه أيضا تلك الميزة في معرفة «عطر المرأة»التى تكون بمواجهته. (آل باتشينو) و(كريس أودونيل) أو (فرانك)و(شارلي) هما شخصيتان متناقضتان في الظاهر، إلا أنهما متوحدتان بالرمز، الأول أعمى لا عائلة له لكنه قوي جدا في الظاهر. والثاني تلميذ جامعي مفككة أسرته يضطر للعمل كمساعد للأعمى ليصير بعد قليل عينيه اللتين يرى من خلالهما.وفي نيويورك كان يخطط (فرانك) للانتحار بعد أداء كل ملذات الرحلة أو ملذات الحياة كما يفهمها أو كما أدركها بعد مرورالسنين، وهي نوم في فنادق فخمة وتناول الطعام في مطاعم فاخرة. ومرافقة نساء جميلات.نعرف منذ البداية أن (شارلي) الذي أصبح صديق (فرانك)
الحميم متورط كشاهد مع صديقه مو وهو أبن لعائلة كبيرةبمشاهدة مجموعة من الطلاب يسيئون إلى عميد الكلية التي يدرس فيها. ويطلب منهما الأعتراف على هؤلاء ولكنهما يرفضان إلى حين تشكيل محكمة داخل أسوار الجامعة مهمتها إجبارهماعلى التعرف على المسيئين، فيحضر أبن العائلة الكبيرة مع والده المحامي ويحضر (شارلي) وحيدا مهددا بالطرد من الكلية من قبل عميد الكلية إذا لم يعترف. ويقدم الأول شبه اعتراف. لكن شارلي يرفض ذلك لأنه لا يقبل الوشاية باحد. وهنا يتنامى الموقف الدرامي صعودا حيث يصل (فرانك) ويتدخل بخطاب طويل مدعيا أنه من قبل ولي أمر (شارلي) ويقوم بالدفاع عنه في مرافعة شيقة تحوز على أعجاب الجميع. وتنجح في الحصول علىبراءة (شارلي). وكما يساعد (شارلي) (فرانك) من قبل في تجاوزمحنته ومنعه من الإنتحار، يساعد (فرانك) (شارلي) وينقذه من الوقوع كفريسة سهلة لقوانين التعليم البالية ولوجهات النظرالمتوارثة والمقولبة في التعامل مع الآخرين دون مراعاة لطبيعةالروح الأنسانية.في فيلم (عطر امرأة) يبدو (آل باتشينو) مسرورا بالشخصية إلىحد الجنون وفي كل مشهد تجد نفسك مبهورا بمقدرة هذا الممثل حتى تجد في النهاية إنك تنسى تماما (آل باتشينو) بعد أن تحولت قدراته التمثيلية المبدعة إلى تشكيل شخصية (فرانك) كلحم ودم بكل ملامح شخصيته المتناقضة ويلعب (باتشينو) الدور بشكل يختلف عن (فيتوريو غاسمان) الذي قام بتجسيد شخصية(فرانك) منذ أكثر من ثلاثين سنة.. في الفيلم الأول القديم رأينافيتوريو غاسمان صاحب أحساس يثير الشفقة لكن (آل باتشينو)يعيد الدور بطريقة مغايرة. فكاتب السيناريو (بوغولدمان) استطاع أن يعيد صياغة القصة وبالتالي أعاد صياغة الشخصية وأختصرالحضور النسائي وأضاف الكثير من الملامح لشخصية (فرانك)،وفي (عطر امرأة) الجديد حرك المخرج (بريست) بقية الممثلين من
خلال إيقاع هاديء. واستخدم اللقطة الطويلة ذات المونتاج الداخلي للإيحاء بالجو النفسي للشخصية واستخدم اللقطة العامةكثيرا للإيحاء برحابة المكان حول شخصية لا ترى.. وتحركت الكاميرا حركات محسوبة للتعبير عن الحوارات المطولةبين(فرانك) و(شارلي) . فقد كان الحوار هو البطل الرئيسي في المشهد الفيلمي. وأتصور أن الفضل الأول والأخير في نجاح الفيلم هو ذلك الأداء الرائع لممثل عبقري أسمه «آل باتشينو» وكان له أن يفوز بجائز الأوسكار عن هذا الفيلم بجدارة
.القبس 17/10/1993

No comments: